لأن التراث العمراني لبيروت مهدَّد بالدمار، قررت وزارة الثقافة والمؤسسة الوطنية للتراث حثّ المواطنين على الحفاظ على ما بقي. بيوت زقاق البلاط وقصورها الموصدة الأبواب كانت على موعد مع التلامذة الذين تعرّفوا إليها من الخارج
جوان فرشخ بجالي
الزحمة كانت خانقة في منطقة زقاق البلاط ببيروت أمس، بعدما قررت وزارة الثقافة والمؤسسة الوطنية للتراث تكريس يوم التراث لهذه السنة لاكتشاف البيوت القديمة في بيروت، وخاصة تلك المنتشرة في منطقة زقاق البلاط. فتحت شعار «لا لهدم المنازل القديمة واستبدالها بناطحات سحاب من الباطون المسلح» افتتح وزير الثقافة سليم وردة جولته التي نُظمت تحت عنوان «من الأبجدية إلى النهضة دروب وشخصيات» والتي دامت 35 دقيقة وشملت أهم المباني السكنية والدينية في منطقة زقاق البلاط.
البرنامج الذي طرح في يوم التراث ليس جديداً. ففي شهر تشرين الأول الماضي نظمت جمعية «مجال» التابعة لجامعة البلمند البرنامج والجولة التي دخلت حينها في جزء من نشاطات بيروت عاصمة عالمية للكتاب. وتبرر ريما شحادة، المسؤولة عن يوم التراث في المؤسسة الوطنية للتراث، استعمال برنامج «مجال»، بالقول إن ثمة اختلافاً بين البرنامج الحالي وبرنامج «مجال». فالبرنامج يدرج قصر الرئاسة في القنطاري والحمام التركي في زقاق البلاط على لائحة المباني التراثية التي ستُزار اليوم.
وتضيف أن «قصر الرئاسة هو من أهم المباني في بيروت، لما يحمله من معانٍ سياسية. ففيه ولدت دولة لبنان، وأُقر الاستقلال عن فرنسا. وأبوابه مشرعة في هذا اليوم أمام الزوار».
وهذا ما جرى فعلاً، فطلاب المدارس دخلوا القصر وجالوا في قاعاته وتعرفوا إلى ماضيه، وهذا ما لم يستطيعوا إنجازه في باقي البيوت المدرجة على اللائحة، لأن أهلها أبقوا أبوابها موصدة. على سبيل المثال، أهم وأجمل قصرين في منطقة زقاق البلاط، حنينة وزيادة، المهددين بالزوال، لم يستطع أحد دخولهما لرؤية الخشبيات المزخرفة والقناطر... وكانت هذه هي المشكلة مع «المشوار في زقاق البلاط» في المرة الأولى، وعادت لتتكرّر الآن.
وتشرح شحادة أنها فعلت المستحيل بالطلب إلى أصحاب البيوت والأماكن الدينية لإبقاء الأبواب مفتوحةً أمام الزوار. بعضهم قبل ذلك، لكن من رفض لا يمكن إجباره ما دامت المباني غير مدرجة على لائحة الجرد العام! وترى شحادة أن الهدف من تكرار هذا البرنامج هو «حث الشباب على التعرف إلى التراث العمراني لبيروت، وخصوصاً أنه مهدد اليوم أكثر من أي وقت مضى. لذا أُرسل عبر وزارة التربية تعميم إلى المدارس في بيروت والمناطق للمشاركة بهذا اليوم والتعرف إلى النسيج العمراني الذي كانت تعرفه بيروت في العقود الماضية والذي كان يميزها بهويتها وطابعها عن المباني الشاهقة التي باتت تجتاح عاصمتنا اليوم وتشوهها».
وكان مدرجاً ضمن برنامج زيارة أمس كل من قصر حنينة وقصر زيادة ومدرسة سيتي العالمية (مدرسة نيشان بالاجيان سابقاً)، والمعهد الألماني للأبحاث الشرقية في بيروت (قصر آل فرج الله سابقاً الذي يشرّع أبوابه للزوار ويتميز بحالة المحافظة على هندسته العريقة). ثم هناك مسجد زقاق البلاط، ومنزل آل قباني، ومركز سلطات الانتداب الفرنسي 1930ـــــ 1945، ومدرسة مار يوسف الظهور والمنزل الذي ترعرعت فيه الفنانة الكبيرة فيروز والذي كان مركزاً للشرطة العثمانية، ومكتبة لبنان ـــــ ناشرون التي كانت مطبعة الجامعة الأميركية، ويعود تاريخ إنشائها إلى 1900 ثم مدرسة بطرس البستاني الوطنية ومنزله سابقاً، والحمام التركي، وكنيسة القديس نيشان، والسرايا الكبيرة، ومتحف معوض (فيلا فرعون سابق). ووزع منظمو الحدث على الطلاب والمشاركين منشورات وخرائط تحدّد تلك الأبنية وتعطي نبذة تاريخية عن كل منها.
هنا يجدر التذكير بأن مبادرة التعرف إلى تراث زقاق البلاط ليس مرحّباً بها كثيراً من بعض مالكي العقارات الذين حاولوا هدمها أو إتلافها منذ أشهر بغية تحرير العقارات وبيعها بأسعار خيالية. لكن شحادة ترى أن هذا المشروع قد يُسهم في إنقاذ بعض تلك البيوت التاريخية إذا ما تعرف إليها الرأي العام واطلع على أهميتها.
واختلف رأي الشباب اللبناني خلال الزيارة في أهمية هذه البيوت التاريخية. فبعضهم اعترف بجمالها، لكن أزعجتهم كثيراً درجة الإهمال التي ترزح تحتها تلك المباني، ما دفعهم إلى التساؤل عن دور الدولة في المحافظة عليها. وبعضهم تفهّم قرار أصحابها بهدمها وبيع الأرض.
الهدف المنشود من الزيارة لم يتحقق، وخاصة أن بعضاً من الشباب خاف حينما قال وزير الثقافة سليم وردة إن «مسؤولية الحفاظ على التراث لا تتوقف على شخص أو مؤسسة أو وزارة فقط، بل هي مسؤولية كل فرد وكل مواطن». فهم تعرفوا إلى هذه البيوت البارحة وباتوا اليوم مسؤولين عن المحافظة عليها، فيما وزارة الثقافة لا تملك ولا تطالب بإصدار القوانين الضرورية الخاصة بحماية الأبنية التراثية التي لا تزال غائبة في لبنان!
يُذكر أن الوزير وردة قلص أيّام التراث من 3 إلى 1، واقتصرت البرامج في ذاك اليوم على بيروت، فيما لا يستفيد طلاب المناطق إلا من مجانيّة الدخول في هذا اليوم!