فضيحة المواد الغذائية الفاسدة في البقاع أشبه بكرة ثلج، اكتشفت مستودعات جديدة تزوّر تواريخ صلاحية مواد مساعدات عينيّة أرسلت إلى لبنان بعد حرب تموز، وتكشف التحقيقات إمكان تورط كبار التجار والمستوردين
البقاع ـــ اسامة القادري
كما ينفرط عقد حبات السبحة بسرعة، بدأت عملية تفكيك سلسلة من إحدى سلاسل تجار المواد الغذائية الفاسدة، وبدأ «تساقط التجار والعاملين المشاركين في العملية واحداً تلو الآخر»، وفق ما قال لـ«الأخبار» مسؤول أمني. يوم الأربعاء 19 الشهر الجاري، اكتشفت قوة من الجيش اللبناني مستودعاً في معمل للمرطبات في محيط بلدة قب الياس، وصادرت كميات كبيرة من المعلبات والمخللات الجاهزة، بعدما تبيّن أنه تمّ تزوير مدة صلاحيتها، وذلك بناءً على التحقيقات مع مدير «ورشة» التزوير ومدير المعمل ه. ح.
أُخضع مدير المعمل لتحقيقات أولية، أدت الى اكتشاف مخزن له في قب الياس التحتا، وشقة كان قد استأجرها. داهمت دورية من الجيش المخزن والشقة وصادرت من داخلهما كميات كبيرة من المعلبات والمخللات والمرطبات المنتهية الصلاحية.
مسؤول أمني أوضح أن «الموقوف اعترف خلال التحقيق معه بأنه كان ينقل هذه المواد ليلاً الى المعمل للعمل على «تجديد» مدة صلاحيتها بأدوات المصنع الذي يديره».
وقد كشفت التحقيقات أن «المتهم اعترف بأنه يقوم بالعمل لمصلحة عدة مؤسسات تجارية كبيرة في البقاع ومنطقة جل الديب». وبناءً على «الاعترافات»، داهمت دورية من الجمارك اللبنانية في البقاع مستودعاً يعود لسوبر ماركت كبرى، وقد عثر فيها على 630 صندوقاً من «بودرة عصير» المنتهية الصلاحية، كانت موضّبة في زاوية محددة من المستودع، رفعت فوقها لافتة كتب عليها «غير مخصصة للبيع»، كما وجد فيه صناديق من المادة اللاصقة، لا توجد عليها إشارات تحدد تاريخ انتهاء صلاحيتها.
بناءً على إشارة النيابة العامة في البقاع، ختمت الجمارك المخزن بالشمع الأحمر، وأوقفت ابن صاحب المستودع و. ط.. وقد حضرت دورية من الأمن الداخلي الى السوبر ماركت، وعملت على تفتيشها في عملية استمرت نحو أربع ساعات. عُيّن والد الموقوف حارساً قضائياً على السوبر ماركت التي خُتمت بالشمع الأحمر في إطار تدبير احترازي. لم تتوقف العملية عند هذا الحد، بل واصلت القوى الأمنية والجيش المداهمات ومصادرة سلع منتهية الصلاحية، وبناءً على ما جاء في التحقيقات وما أدلى به المتهم الأول بتزوير المعلبات ه. ح. قال مسؤول أمني إن الموقوف «اعترف بأنه يقوم بعمليات التزوير، بالاشتراك مع تجار ومروّجين». داهمت القوى الأمنية في جل الديب أكبر المستودعات العائدة لتاجر الجملة ر. ح. وصادرت كميات كبيرة من المواد الغذائية المنتهية الصلاحية، وأوقفت صاحبه.
مسؤول في الجمارك اللبنانية قال لـ«الأخبار» إن عملية مداهمة مستودع «السوبر ماركت» في قب الياس يوم أول من أمس، جاءت بناءً على معلومات تفيد «بوجود كميات كبيرة من المواد الغذائية المنتهية الصلاحية». وقد عثر على عدد من مئات صناديق العصير، فتبيّن أن صاحب المحل كان قد غطاها بستار، وكتب عليه غير مخصصة للبيع، إضافة الى وجود عدد من صناديق المواد اللاصقة لم يحدد تاريخ صنعها وانتهاء مدتها»، وتابع المسؤول الجمركي أن العملية تتابعت بناءً على إشارة من النيابة العامة بإقفال المستودع وختمه بالشمع الأحمر، وتوقيف المسؤول

الموقوف «اعترف» بأنه يعمل لمصلحة عدة مؤسسات تجارية كبيرة في البقاع وجل الديب

المباشر عنه و. ط. وإحالة ملفه الى مصلحة الاقتصاد، وقال إن الغرامة المالية قد تصل الى 26 مليون ليرة، إن لم يؤخذ بالمبررات التي قدمها الموقوف عن أسباب وجود هذه الكمية في مستودعه، و«بالتحقيق معه، أبرز الموقوف وثيقة موقعة من الشركة السورية المصنعة للعصير تفيد بأن هذه المواد عائدة لها وهي المسؤولة عن تلفها داخل الأراضي السورية بعد إعادتها وتبديلها ببضاعة صالحة وبتاريخ جديد حسب الأصول». ولفت المسؤول في الجمارك إلى أن التحقيقات وعملية التعاطي في كل ملف ستكون مختلفة عما يتعلق بالملف الآخر، ويضيف «تبلغنا من قوى الأمن بأن نسلّمهم الموقوف و. ط. فور انتهائنا من التحقيق معه، لتقوم قوى الأمن بالتحقيق فيما إذا كان يعمل حقاً بالتنسيق مع ه. ح.
من جهة أخرى، لفت مسؤول أمني إلى أن البضائع التي صودرت من المستودع العائد لـ ه. ح. وفي المعمل جزء كبير منها، تبيّن أنها من المواد الغذائية التي دخلت الأراضي اللبنانية «كمساعدات للشعب اللبناني» أثناء العدوان الإسرائيلي في تموز 2006. وأضاف المسؤول إن ما ضبطته القوى الأمنية خلال مداهمة مستودع في جل الديب يؤكد المقاربات العينيّة القائلة بوجود علاقة وطيدة بين المزوّر ه. ح. وبين صاحب المستودع في جل الديب. إذ تبين وجود عدد كبير من المعلبات من المصدر والنوعية نفسيهما.


لقطة

أشار المسؤول الأمني إلى أن المعلومات التي «مثّلت نواة تحرك الجيش ومداهمة أحد المعامل في قب الياس، جاءت بناءً على تبليغ من أحد أقرباء صاحب المعمل، بأن مديره ه. ح. يستخدم معدات «التأريخ» الخاصة بالمصنع، ويتردد إلى المعمل ليلاً مع 3 عمال وسيارات نقل بضائع من وإلى المصنع». ولم يستبعد المسؤول الأمني أن تكشف التحقيقات مع التجار والمروّجين عن تورّط مستوردين وأصحاب مستودعات جديدة موجودة في أكثر من منطقة في لبنان.
لم ينف طارق ط. وهو شقيق الموقوف و. ط. الموقوف، أن «بودرة العصير» الموجودة في المستودعات منتهية الصلاحية، لكنه برر عملية الاحتفاظ بها «لتخزينها فقط» (!) وذلك لمعاودة استبدالها ببضائع صالحة للاستخدام «ما دام العقد الذي وقّعناه مع الشركة المنتجة ينصّ على ذلك».


«بالجرم المشهود»

أول من أمس، داهمت وحدة من الجيش اللبناني معملاً قرب قب الياس، وضبطت فيه كميات كبيرة من المواد الغذائية المنتهية الصلاحية، فيما كان 3 عمّال ومعهم المدير المسؤول عنهم ه. ح. «يقومون بتزوير تاريخ الصلاحية المدوّن على معلبات غذائية، ويعيدون طبع تاريخ جديد عليها بدل التاريخ الذي يشير إلى انتهاء الصلاحية» وفق ما قال مسؤول أمني لـ«الأخبار». أوقف العمال الثلاثة والمدير بعدما ضُبطوا «بالجرم المشهود»، وصودرت المعلبات وأختام التزوير التي كانت تستعمل في العملية. المسؤول الأمني قال إن عملية الدهم جاءت بناءً على معلومات مؤكدة عن عملية تزوير، وأضاف إن الكمية المصادرة «كبيرة جداً»، لكنه استبعد أن يكون صاحب المعمل على علاقة بالأمر لأنه خارج البلاد، بعدما أناط إدارة معمله بالمدير الموقوف.