وسام كنعان
كي يتنقّل في منزله الدمشقي الجميل، يستعين آدم بعكاز يرافقه منذ العام الماضي، بعد حادث سير تعرّض له على طريق الحسكة (شمال شوريا)، مسقط رأسه. حين تزوره في منزله في شارع العابد، أحد أكثر شوارع العاصمة صخباً، تجد نفسك بعيداً عن أيّ ضوضاء. هنا، يغرق هذا الفنان الذي يعدّ من بين الأبرز في جيله سورياً وعربياً، في هدوء العزلة الرتيب، وسط جدران تضجّ بأعماله. تغيب بيئته الصحراوية عن جو الحداثة في بيته، باستثناء صورة والدته. «أمي هي اختصار واضح لبيئتي النائية»، يقول. اعتكافه في مرسمه في الحسكة، هو حرص على دوام تلك العلاقة الاستثنائية مع والدته.
لا يتذكّر التشكيلي السوري طفولته. يجزم أنّه لم يكن يوماً طفلاً يتأثر بما يحيط به. هكذا تجده يقول إنّ أهله وأقرباءه كانوا «مغفّلين يتأثّرون بما يتلقّونه من التلفاز». أمّا هو فعرف منذ نعومة أظافره كيف يأخذ مسافة تحليلية من السياسة والفكر. في شبابه، طرق باب الشعر، لكنّه حين قرأ قصائد الفرنسي إيف بونفوا كما ترجمها أدونيس، وجد فيها كل ما أراد أن يكتبه. «في لحظة واحدة، أقفلت باب الشعر وقرّرت أن أصبح تشكيلياً. عندها غيرت اسمي من سبهان حسين محمد إلى سبهان آدم رغبةً مني بالانتماء إلى فضاءات عالميّة أوسع»، يقول. لم يفكر آدم للحظة بأنه ينتمي إلى بلده فقط، بل إلى العالم بأسره والإنسان بالمطلق. أمّا علاقته بالأنثى فمنسوجة على منوال تقليدي. إن نبشت أوراق حياته الخاصة، تجد نفسك أمام جرعات مفرطة من الغرام مع جميلات يعجز هو نفسه عن إحصائهنّ. «غلبتُ روميو بقصص عشقي من دون أن أقنع بجولييت واحدة. كل النساء كن جولييت في حياتي»، يقول.
قبلته الأولى؟ اصطحب حبيبته إلى المسجد الأموي وقبّلها هناك... «لتكون قبلة شرعية». أمّا معرضه في الحسكة، فأنجزه حين كان في السابعة عشرة. إلا أنّه لا يعتبر تلك التجربة أكثر من خربشات. بعدها دخل في عزلة طويلة جعلته يصير ما هو عليه الآن، أحد أشهر التشكيليين العرب في جيله. «كي أصل إلى هنا، دفعت الثمن سنوات طويلة من العزلة والفقر، إضافةً إلى نوبات تشنج عضلية كانت تصيبني نتيجة الضغط النفسي»، يسرّ إلينا. يشعر اليوم بالتقدير والاحترام إلى الناس الذين لم يعترفوا بفنّه في البدايات. هو ممتنّ أيضاً لبيروت وباريس لمساهمتهما في انطلاقته نحو التكريس. «اكتسبت شرعيتي خارج حدود سوريا عكس ما يحصل عادة مع الفنانين».
يعيدك سبهان آدم إلى أيام الشقاء التي مرّ بها، ويستعين بأحد أصدقائه ليروي لنا كيف كان يقطع مسافات طويلة في شوارع دمشق سيراً على الأقدام لأنّه لم يكن يملك ثمن تذكرة باص. يخبرنا كيف كان يفترش في ليالي شتاء التسعينيات القاسية رصيف «كلية الفنون الجميلة» لأنّه لم يكن يملك غرفة تؤويه. «وصل بي الضيق الشديد الى حدّ بيع الدخان المهرّب عند إشارات المرور». كل ذلك بات بعيداً الآن. لكنّ آدم يصرّ، رغم الثراء والشهرة، على أنّ الفقر هو ملح الإبداع. يتمنى أن تعيده الأزمة الاقتصادية العالمية ذاك الشاب الذي يخفق قلبه قبل افتتاح كل معرضٍ جديد. «لم يعد القلق اللذيذ يرافقني، ولا الدهشة بما أحققه. والسبب هو المال والشهرة اللذان أتمنى بصدق زوالهما».
يحرص آدم على ألا يتسرب إلى بيته شيء، «من هواء الوسط الثقافي والفني السوري لأنه هواء فاسد يؤذي الرئتين». لهذا، قرّر منذ زمن طويل اعتزال الوسط، من دون أن يثنيه ذلك عن توطيد صداقته بمثقفين سوريين من بينهم أدونيس، الذي رأى في فن آدم «انفجاراً». كان يحتفظ أيضاً بعلاقة خاصّة مع المفكر الراحل أنطوان مقدسي. «استمددت منهما قوة كبيرة جعلتني أفكر جدياً برعاية أي تجربة فنية شابة أشعر أنها بحاجة الى دعم».
التشكيلي السوري الذي احتلت أعماله أغلفة المجلات العالمية، يقسّم أنشطته الحياتيّة وفقاً للفصول. يمنح الصيف للفن معتكفاً في مرسمه في الحسكة، بينما يفرد الشتاء للحياة والسهر والصخب. يعيش تفاصيل حياته بسعادة في اختلاف جذري مع ما ترويه أعماله من غضب وصدام وألم إنساني.
وفي مقهى «الروضة» الدمشقي ـــــ برلمان الثقافة السورية الذي لم تطأه قدما سبهان آدم حتى اليوم ـــــ يحتل الرجل حديث الفنانين التشكيليين الشباب. يعتبره بعضهم أباً روحياً، ويرى آخرون أنه عرف كيف يؤلّف بين الفن و«البزنس». قاد بنفسه صفقات كبيرة من دون أن يتنازل عن سعر لوحاته حتى لقِّب برجل «مافيا الفن التشكيلي». هذا اللقب يشعره بنشوة النجاح: «لطالما تجرعت كؤوس الهزيمة إلى أن حققت انتصاراتي، ولم تعد لديّ أحلام ماديّة. أقول كلمتي عند الاتفاق على السعر وأرحل». بعض المؤسسات الحكومية، تستنجد به ليرعى مشاريعها، بينما يعلن هو عن أعماله في لوحات إعلانية ضخمة على نفقته الخاصّة.
لم يتأثر آدم بأحد، بل بنى ثقافته ومخيلته بدءاً من شخصيات مثل روبن هود ورامبو... ونجوم كرة القدم مثل ماريو كامبس وسقراط وغيرهم، انتهاءً بالمطربين الشعبيين وعلى رأسهم سميرة توفيق.
بعد الحادث الذي تعرّض له العام الماضي، توقف الزمن عند آدم، وراح يحاور الموت على طريقة جداريّة محمود درويش. «فجعت بعد الحادث بأشخاص كثر من حولي وتلقيت طعنات كثيرة في الظهر». لكن مع عودته إلى الحياة، أصبح أكثر شراسة وقوة وطيبة: «عدت لأكون جثة تمشي برائحة الربيع ولا أمتلك الآن حقيقة سوى شفافيتي».
في غاليري «آرت هاوس» (دمشق) يفتتح آدم مساء اليوم معرضاً استعادياً لإنتاجه، بعنوان «آدم 96 ــ 09». حين تهمّ بالخروج، لا يسمح لك بوداعه قبل أن تحصل على بطاقات معرضه وتوقيعه على كتاب ضخم يحكي عن إبداعه. لا ينسى بالطبع قطع الشوكولا الفاخرة ورشفات الكونياك والسيجار الكوبي، وهي «مقومات الحياة السعيدة» على طريقته الخاصّة. يهديك في النهاية أسطوانة أندريا بوتشيلّي الذي دار الحديث عن موسيقاه. لقد أعدّ منه كميّة من النسخ ليهديها إلى كل من يزوره.


5 تواريخ

1972
الولادة في الحسكة (شمال سرويا)

1989
افتتح معرضه الأوّل في الحسكة

1999
أوّل معرض عالمي له في مدينة ديجون الفرنسيّة

2005
تظاهرة سبهان آدم في باريس أربعة معارض في وقت واحد

2010
يفتتح مساء اليوم في دمشق معرضاً استعادياً يختصر مسيرته «آدم 96 ــ 04».
للاستعلام: www.sabhanadam.com
+963949727272