مايا ياغي«ممنوع وعيب» كلمتان رافقتا طفولتي وشبابي. «بابا بابا، رفيقي أكرم بدو يجي لعنا»، قلت لوالدي وأنا في الصف الرابع الأساسي، فأجابني بنبرة حاسمة: «لأ يا بابا. ما بيسوى يكون عندك رفيق صبي، وما بيسوى يجي لعنا. عيب». لم أفهم حينها معنى كلمة عيب، لكني نسبتها لكلمة ممنوع التي يتبعها عقاب إذا ما خالفت قوانين الوالد. بعد ذلك بسنوات، وأنا في الصف السابع الأساسي، كانت حجتي الوحيدة المشروعة لاجتماعي برفاقي الصبية، هي المدرسة.
«رفقاتك الصبيان بس بالمدرسة. برات المدرسة، ما بيبقوا رفقاتك، فهمنا؟»، عبارة لا تزال محفورة في ذاكرتي، لكثرة ما سمعتها. في الصف التاسع، صف الحب والشباب، جاءت مرحلة الـ«كوبلات» في أركان الصف. وجاء موعد الرحلات الترفيهية التي كانت تنظّمها المدرسة وكانت تمنع مشاركة أي شاب غريب فيها.

رفقاتك الصبيان بس بالمدرسة. براتها لا شو فهمنا؟
هنا، كانت المغامرات. فالسيارات التي كانت تلحق بالباص كانت أكبر من تلك المواكبة لتحرّك رئاسي. في كل منها شاب يحب فتاة من المدرسة. خلال المرحلة الثانوية، اشتد تحفّظ الأهل وأحكموا حصارهم. فقد كان يجب علي مصارحتهم بأي شاب يصبح صديقي، ولو أنه مجرّد صديق. ذلك لأن المعادلة راسخة في أذهانهم: الصديق = عريساً محتملاً. والفتاة، في هذه الفترة، «لازم توزن تصرفاتها، كلماتها، وحتى خطواتها، فعين الناس عليها»، لتبدأ بعدها المرحلة الجامعية، الشبح المخيف لمعظم أهالي القرى الذين يسمحون لبناتهم بإكمال دراستهم. فإذا كانت ابنتهم قد تزوجت خلال المرحلة الثانوية، يرتاح بالهم، و«تصطفل منها لزوجها»، أما إذا لم تكن قد تزوجت بعد، فتظل كلمة زميل في الجامعة، أو صديق، غريبة عليهم وعن قواميس ضيعتنا. «شو يعني رفيقي؟ مين قال عنا رفقا شباب؟»، كلمات لطالما سمعتها، وخصوصاً إذا ما اتصل بي أحد الأصدقاء، لأنه «كيف تعطي رقمك لشاب غريب؟». حتى اليوم، لا أفهم ما سرّ كل هذا التحفظ والخوف. فقد اكتشفت بعد سنوات طويلة، أن الشباب ليسوا وحوشاً جاهزين للانقضاض على أي فتاة يصادفونها!