بعد قلقه من التدهور المستمر في صورته، أعلن النظام الإسرائيلي حملة تهدف إلى تحويل كل مواطن عميلاً لمصلحة العلاقات العامة الإسرائيلية. بات ذلك معروفاً، وانتشر في وسائل الإعلام سريعاً. لكن هذه الجملة، التي تمر على موقع يوتيوب، مصحوبة بعزف بطيء على البيانو، كانت مقدمة لأمر آخر. وذاك الأمر الآخر، هو توضيح الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى إطلاق هذه الحملة. «هذه ليست أغنية الحب»، معدّ الفيديو يعرف جيداً ماذا يقول. الصورة تلتقي تماماً مع صراخه المتكرر: «هذه ليست أغنية حب». في البداية الصور البديهية للجيش الإسرائيلي. اعتقال مدنيين فلسطينيين. تكبيل أطفال بالقيود. إذلال عجوز فلسطيني. ثم يبدأ الهدف الحقيقي من الفيديو. تظهر في الخلفية صورة جندي إسرائيلي. الخلفية وراءه بيضاء. ناصعة جداً. هو محاط بخطوط حمر، تحدد علاقته بالخلفية. ثم يظهر على يمين الشاشة «نتمنى لو يمكننا السماح لهم بالعبور إلى المستشفيات». وبسرعة، يتحرك العرض الرقمي، ويأخذ الجندي مكانه الطبيعي في الصورة الحقيقية. تختفي الخلفية البيضاء لحساب تلك الحقيقية: والد فلسطيني يحمل ابنته المصابة بالجروح، فيما الجندي يمنعهم من العبور. الخلفية هي الفلسطيني المحاصر، وليست بيضاء، كما تجهد إسرائيل للقول.في الخلفية هذه المرة، طفل فلسطيني. أدار ظهره للمشاهدين على طريقة «حنظلة»، الفلسطيني الحزين الذي جسد خلاله الفنان الراحل ناجي العلي ذاكرة الفلسطيني المعذب. في الصورة كلام:

تختفي الخلفية البيضاء الإسرائيلية لمصلحة الخلفية الحقيقية

نتمنى لو يمكننا أن نسمح لهم بزيارة مدارسهم. وتأتي الدبابة الإسرائيلية الشهيرة، بفوهتها الملتهبة، إلى الصورة. تستعيد مكانها هي أيضاً، في وجه الطفل الفلسطيني. وللمستوطنين طبعاً حصتهم من صناعة الكره. أحد المستوطنين يشهر يده في وجه فلاح فلسطيني، مستقوياً بسلاح حربي رشاش، وليس للفلسطينيين إمكانية في زراعة أرضهم. وإلى هذا كله، الحرية هي الأخرى ممنوعة، فتلك الأغنية في الفيديو، ليست أغنية حب. يظهر الجندي فاتحاً كلتا يديه. تعبير كلاسيكي جداً عن الحرية. الخلفية دائماً بيضاء في البداية. ثم تكشّر الصورة عن أنيابها. الجندي هو وحش. يمسك طفلين فلسطينيين، ويشدهما بقوة، فيما يتولى زملاء له في الخلف، ضرب أطفال آخرين. فجأة، تظهر قبضة تهطل من السماء. قبضة زيتية. لن يكون التكهن صعباً. هذا جندي إسرائيلي، لا يرغب في الحفاظ على كرامة الفلسطينيين. يلكم فلسطينياً منبطحاً على الأرض بقسوة.
والحياة ممنوعة أيضاً. لم يخطئ محمود درويش أبداً. الفلسطينيون يحبّون الحياة متى استطاعوا إليها سبيلاً. في الصورة، فلسطيني مقيّد، عارٍ، محني الرأس، أمام سطوة الرشاش الحربي. ورغم هذا، يبحث الإسرائيليون عمّن يصدق أنهم الضحية. وأنهم لا يستطيعون إعادة الحقوق إلى أصحابها من الفلسطينيين الذين يطلب منهم الاستسلام والسكوت والرضوخ وحسب. لكن الفلسطيني سيقاوم.