بعد 4 سنوات على الحرب، لم يتبلغ أهالي زبقين من الجيش إنجاز المرحلة الاولى من التنظيف من الألغام التي تشمل أحياءً سكنية. فمتى تنجز المرحلتان التاليتان اللتان تشملان تنظيف حقولهم؟
زبقين ــ آمال خليل
قبل 17 شهراً، فقدت بلدة زبقين (قضاء صور) ابنها الشهيد محمد حمزة بقنبلة عنقودية. الرجل الذي يعمل في نزع الألغام في شركة الباكتيك، لم تسعفه الخبرة فقتلته قنبلة عنقودية في منطقة خلة الزعفران، حيث كان يجمع الحطب لتدفئة أسرته. أرملته ثروت وأيتامه حسن وفاطمة وعلي فقدوه معيلاً. أما زبقين، فقد أفقدتها القنابل العنقودية آلاف الأمتار من الأراضي الزراعية التي تعيل أهاليها.
حتى اليوم، استطاعت البلدة إعادة إعمار بيوتها ومؤسساتها «أجمل مما كانت» قبل العدوان. إلا أن بناء الحجر لم يشف البلدة من تداعيات العدوان، لأن أكثر من 70% من المقيمين والذين يعدون حوالى ألفي نسمة، يعتمدون على الزراعة كمورد اقتصادي رئيسي للعيش. لذا، فقد أدى القاء آلاف القنابل العنقودية في أراضي البلدة إلى «خربطة نظام حياة الأهالي الذين نشأوا بين الحقول والأودية»، يقول المختار رائف بزيع. ويشير بزيع إلى «أن النشاط الاقتصادي خارج الزراعة محدود جداً ويقتصر على بعض الموظفين ونحو مئتي شخص من المغتربين».
224 شخصاً من الأهالي يملكون رخصاً من إدارة الريجي لزراعة التبغ، أي نحو 56% من العائلات المقيمة. وتعد هذه النسبة الأعلى بين بلدات قضاء صور. وتأتي بعد التبغ، زراعة الحبوب.
غير أن تلوّث «19 هدفاً» من أراضي البلدة بالقنابل العنقودية، مساحة كل منها 20 دونماً، لا تزال تعيق استئناف الأهالي لحياتهم اليومية. كل ذلك، رغم قيام «الجيش اللبناني والوحدة الصينية العاملة في إطار اليونيفيل وعدد من الهيئات الدولية الخاصة العاملة في مجال نزع الالغام والقنابل العنقودية عملت منذ انتهاء العدوان على تنظيف الأحياء السكنية ومحيط المنازل من القنابل العنقودية، وإلى الآن لم نتبلّغ انتهاء المرحلة الأولى من النتظيفات»، يقول بزيع. ويضيف: «قبل أشهر، بدأت هذه الفرق بتنظيف بعض الحقول الزراعية، ونحن نقدّر بالعين المجردة أن أحياءنا وأراضينا باتت شبه نظيفة، إلا أن السيول وانجراف التربة في الشتاء يكشفان وجود قنابل مختبئة في التربة».
يواجه خضر صليبي يومياً خطر القنابل العنقودية بسبب عمله في حرث الحقول المحيطة ونقل الأتربة من خراج البلدة إلى داخلها. ويؤكد الرجل، الذي يسبر أغوار وادي عين التينة وجبل كسار العاصي وجبل النمرة وتلة العرمة وكروم بو موسى، أن «الاحتلال الجاثم هنا طويل الأمد»، في إشارة إلى كثافة القنابل العنقودية

القنابل دمّرت نظام حياة الأهالي الذين نشأوا بين الحقول
المنتشرة في محيط البلدة التي يشكل خراجها معظم مساحتها الإجمالية. ففي خلة الملول ووادي عين التينة، حيث نبع الدلافة الذي كان مقصداً للمتنزهين، «بعثرت الأمطار ممر المشاة الضيق الذي حدده فوج الهندسة في الجيش اللبناني بالعلامات الحمراء. لذلك، لم نعد قادرين على الوصول إلى هناك»، يشير صليبي.
من جهته، يؤكد بزيع أن «مستوى الوعي لدى الناس قد رفعه ازدياد عدد الضحايا في المنطقة، وكثافة ندوات التوعية التي ينظمها الجيش والجمعيات الاهلية في المدارس والمساجد». ولهذا، بات أهالي المنطقة قادرين على «تحديد القنبلة التي يعثرون عليها بإشارات واضحة وإبلاغ الجيش الذي يحضر فوراً ليفككها».
بحسب إحصاءات الجيش، تم تنظيف نحو 52% من مجمل الأراضي الملوّثة ومجمل الأحياء السكنية في الجنوب. لكنّ ثمة أراضي لم تفرغ بعد من القنابل، ولا طاقة للمزارعين لانتظار انتهاء المرحلة الثانية من التنظيفات، وهي حال المزارع محمد بزيع. وبما أن العشرين دونماً التي يملكها في جبل كسار العاصي لم تعد صالحة لزراعة التبغ بسبب القنابل، اضطر إلى «استئجار» حقل بديل في منطقة العزية والحنية. ما يسمّيه «حلاً بديلاً»، يأمل ألا يتحول إلى دائم، يكلفه بدل إيجار شهري مئتي ألف ليرة، إلى جانب كلفة النقل اليومية بين بلدته والحقل لنقل العمال والمبيدات والمحصول لتخزينه في منزله. بدائل محمد «ما وفّت» مع الكثيرين الذين خاطروا بزراعة حقولهم الملوّثة. أما من لديه مورد اقتصادي آخر، فقد اعتمد عليه بانتظار الفرج.