ليس أصعب من انفجار اللغم، إلا ما بعد الإصابة: هذا الذلّ في البحث عن العلاج، عن الطرف الاصطناعي المناسب وصيانته، والاستجداء على أبواب المسؤولين، حتى تكاد تظن نفسك سلعة تُشترى وتباع بين الدولة والجمعيات». هكذا يختصر حسام طباجة تجربته بوصفه جريحاً بانفجار لغم إسرائيلي

كامل جابر
انفجرت حياة حسام محمد طباجة (36 عاماً) وتطايرت شظاياها مع ذلك اللغم. فهو كان قد قصد وزوجته مقام العباد عند التخوم الشرقية لبلدة حولا، كآلاف اللبنانيين بعد التحرير. في ذلك اليوم، حصل «هرج ومرج» بين متظاهرين وجنود العدو خلف العباد، فما كان من هؤلاء إلا أن فتحوا نيران رشاشاتهم، باتجاه الأراضي اللبنانية، فظن حسام أن الفرار باتجاه حقول حولا، سيقيه رصاص العدو، فكان اللغم له بالمرصاد. هناك ظل ينزف 3 ساعات، فيما لم يحرك الجنود الدوليون في الموقع القريب ساكناً لإنقاذه، وكان عليه انتظار شبان لبنانيين أتوا من حولا، وغامروا بدخول الحقل المزروع بالألغام لإخلائه.
يقول حسام: «مررت بظروف صعبة جداً، من مستشفى إلى مستشفى حتى استقر بي الأمر في مستشفى حمود في صيدا. هناك، بترت قدمي اليمنى من تحت الركبة، أما اليسرى فكانت الإصابات فيها بالغة زرعوا فيها جهازاً بقي سنة ونصف سنة، مع عمليات زرع لحم، واليوم أعاني مشاكل تكلس ونشفان ووجع، أمشي عليها بطلوع الروح». يضيف: «التشخيص الأخير لحالتي أن العصب قصير. اليد اليسرى أصيبت بشظايا من تحت الأبط حتى المرفق. جرى اقتلاع عيني اليمنى، أما اليسرى فضربت الشبكية فيها، وعولجت بالسليكون والأدوية. بعد خمس عمليات كنت أرى طبيعياً، أما الآن فلا أرى جيداً، وهي تحتاج إلى عملية مكلفة جداً».
تحتاج عين حسام إلى زرع قرنية من متبرع. أرسل أشقاؤه تقاريره الطبية إلى ألمانيا، لعلهم يتلقون منحة علاج من هناك، فلم يفلح الأمر. واليوم هو يضطر لزيارة طبيب العيون كل 4 أشهر «لأنني ما زلت أتلقى العلاج، مراجعة الطبيب مع أجرة الطريق تكلفني مئة دولار، مع قطرات وأدوية ضغط للعين وغيرها، أحتاج إلى أدوية بقيمة 175 ألف ليرة شهرياً. لم أترك جمعية من جمعيات رعاية المعوق، والجواب باستمرار: لا يوجد دعم. أحياناً أعجز عن دفع ثمن الأدوية، فأستدين من صاحب الصيدلية، وأقسطها بخمسة آلاف وعشرة آلاف».
بعد جهد جهيد، حصل حسام على طرف اصطناعي «هايدروليك» على نفقة مجلس الجنوب «الذي حوّلني إلى الجمعية اللبنانية لرعاية المعوقين في الصرفند، أرادوا تركيب طرف عادي فاعترضت، بعدما وصلت كمية من الأطراف الهايدروليك، فأنا لدي مشكلة في العظم ولا أستطيع أن ألبس طرفاً عادياً، بعد مئة ألف واسطة، استطعت تركيب الطرف الهايدروليك»، يقول.
يسكت قليلاً، وفي السكوت شيء من الوجع، ثم يكشف عن طرفه ويردف: «منذ الإصابة لم أزل ألبس الطرف ذاته، حاولت مرات عدّة أن أجري له الصيانة المطلوبة، إذ تعطل الهايدروليك، فيه. قالوا إن التكلفة تبلغ 2500 دولار أمريكي، لا أقدر على دفعها. أراجع فيقولون إنه لا بد من دفع القيمة بكاملها. أطالب بطرف بديل من مجلس الجنوب، ويأتي الجواب أن ليس لديهم أطراف مشابهة، لكنني علمت أن من له واسطة يركب، ونحن لا ننتمي إلى هذا الحزب أو ذاك».
يحمل حسام بطاقة وزارة الشؤون الاجتماعية، الهيئة الوطنية لشؤون المعوقين، ذات الرقم 4/7182. يقول إن «بعض مصابي الألغام يتلقون راتباً شهرياً حسب قرار ينص على أن ضحايا الألغام منذ عام 2000 وما فوق يحق لهم براتب، أسوة بجرحى الجيش وغيرهم. البعض يقبض شهرياً نحو 500 ألف ليرة والطبابة مئة في المئة له ولعائلته. راجعت، فقالوا إنه لا ملف لي يسمح أن أتلقى الراتب الشهري. دخلت إلى المستشفى منذ أسبوعين، وكان علي دفع مبلغ 225 ألف ليرة فرق العلاج على نفقة وزارة الصحة، أبرزت بطاقتي، فقال لي أحدهم: بلّها واشرب ميتها، وتوسط لي أحدهم فأعفيت من الفرق».
حالة حسام ليست فريدة. يقول الاختصاصي في تركيب الأطراف الاصطناعية، نبيل زين الدين، إن «العقبة الأولى التي تعترض المصاب هي توقه للحصول على طرف متطوّر، ومحاولة الجمعيات تركيب الطرف الأقل كلفة. علماً بأن هذا حقه البديهي، الصدمة تكون عندما لا يبقى أمامه غير التسليم بتركيب طرف عادي مثلاً، بينما تكون بعض الجمعيات قد استفادت من الملف الذي أعدّ للمعوق، وتجمع باسمه المساعدات وتقدم الفواتير الوهمية».
وفي حال حسام، يشير زين الدين إلى أن إحدى الجمعيات ركبت له طرفاً متطوراً، ويضيف: «تعطل الراصور، فأبلغ بأنه عليه دفع ما لا يقل عن ألف دولار لإصلاحه. وقد توقفت الجمعية التي أدرج ملفه تحت رعايتها عن تغطية ثمن الأدوية، وعندما اعترض، أوقفت له أشياء أخرى. يعني، يمكن القول إن مؤسسات الدولة الرسمية، المعنية في هذا الشأن، مع الجمعيات التي أنيط بها أمر الاهتمام بملفات المصابين، تستغل المصاب إلى أبعد الحدود».
للتخفيف عن المصابين، لكي يعالجوا في أقرب مستشفى، أصدر وزير الشؤون الاجتماعية قراراً بتعيين طبيبين في المستشفيات الحكومية لمراقبة المرضى، لكن أطباء الجنوب مثلاً، لا يوافقون على إحالة ملفات المصابين إلا على «الجمعية اللبنانية لرعاية المعوقين» التي ترأسها رندة بري، «وكأن مصابي الجنوب حكر على هذه المؤسسة»، يقول زين الدين. أما البطاقة التي يحملها المصاب «فلا تتعدى برأيي عملية إحصاء المصابين».
ويختم بالقول: «هناك قانون سُنّ في مجلس النواب يقضي بإعفاء المصابين المعوقين من رسوم الكهرباء والهاتف والبلديات. وإذا تخلف أي من المصابين عن دفع فاتورة الكهرباء مثلاً، ينذر بقطع التيار. من أجل ذلك، هناك العديد ممن يعتكفون عن العلاج والتداوي عند الدولة والجمعيات صوناً لكراماتهم، التي باتت تهان، هنا وهناك. والبعض يترك في منتصف الطريق، لا حول له ولا قوة».


28 أو47 قتيلاً؟

أكد القائد العام للقوة الدولية العاملة في جنوب لبنان «اليونيفيل» الجنرال الإسباني، ألبرتو سارتا، أنّ القنابل العنقودية التي تركتها إسرائيل في الجنوب أدت إلى مقتل 28 مدنياً وجرح 248. كلام سارتا جاء خلال احتفال أقامته قواته في مناسبة اليوم العالمي للاحتفال بنزع الألغام والمساعدة على نزعها.
وأوضح سارتا أنّ الالغام والقنابل العنقودية منتشرة في 70 دولة وتصيب أو تقتل ما بين 15 الى 20 الف مدني في العام الواحد.
في المقابل، أشارت مصادر لبنانية لوكالة «يو بي أي» إلى أنّ عدد ضحايا الألغام والقنابل العنقودية الإسرائيلية وصل إلى 47 قتيلاً و 293 جريحاً.
وكان رئيس المركز اللبناني للأعمال المتعلقة بالألغام العميد محمد فهمي ابلغ السفيرة الألمانية بريجيتا سيفكرابيرل خلال زيارتها الجنوب منذ عام واحد تقريباً أنّ حصيلة ضحايا القنابل العنقودية بلغت 44 قتيلاً و296 جريحاً.


رندة برّي: لا ألوم المصابين على ما يقولونه



«لا نستخدم الأطراف الاصطناعية الإلكترونية إلا عند الحاجة نظراً لكلفتها المرتفعة»، تقول رندة برّي، رئيسة الجمعية اللبنانية لرعاية المعوقين لـ«الأخبار». وتشرح أنّ مثل هذه الأطراف «تركّب عادة للناس الذين تحتاج مهنهم إليها، ولا سيما أنّ ثمن الطرف قد يبدأ من ألف دولار ويصل إلى 13 ألفاً. انطلاقاً من ذلك، لا تستطيع المؤسسة أن تمنحه للمصابين مجاناً، فهذا الأمر ليس من اختصاص جمعية خيرية، وإن كان جميع المصابين يطمحون إلى تركيبه، لكن، من يغطي التكلفة؟».

أحياناً أستدين من الصيدلية الأدوية وأقسّطها بخمسة أو عشرة آلاف
تضيف برّي: «من حق المصابين البحث عن النوعية، لكن لا نركّب لأحد طرفاً غير إلكترونيك، لذا نقوم بجهد خاص من دون أي دعم». وتشدد بري على أنّ «التقصير ممنوع في مؤسستنا، وخصوصاً أننا باعتراف المنظمات الأهلية، نملك أهم مصنع للأطراف الاصطناعية في لبنان، ونستورد أغلى الأطراف، حتى تلك التي تستخدم في الألعاب الأولمبية».
تقول: «أنا لا ألوم المصابين على ما يقولونه أو يشعرون به، لكن وزارة الصحة هي من تحدد نوعية الأطراف وتكلفتها المادية». وتلفت بري إلى «أنّ المؤسسة عمدت بإمكاناتها المتواضعة إلى إشراك المصابين في مشروعات بالاشتراك مع النروجيين، ففتحنا «مناحل» و«مناجر» وغيرها». وتشير إلى أنّ «مشاريعنا غير ممولة من الدولة التي لا تهتم بنا، فهي لم تعوض علينا حتى الآن أضرار عدوان 2006». وأكدت أن الصيانة ليست على المصاب، «لكن يحتاج الأمر إلى ملف وموافقة، وهم لن يدفعوا هذه التكلفة، لكن يجب أن نبين للمصاب تكلفة الطرف وهو لن يدفع. ونحن مستعدون لملاحقة كل جهة تتهرب من مسؤولية الاهتمام بالمصاب ضمن حقه المقرر في القانون والوزارات».