ينصح معظم الخبراء والمتابعين للعمل البلدي بأهمية التقليل من عدد البلديات في لبنان، سواء عبر دمجها أو اشتراط مساحة جغرافية أوسع لها. إلا أن التجربة على الأرض تشير إلى رغبة الأهالي في المزيد من البلديات: إما عبر استحداث بلديات جديدة أو الانفصال عن بلديات كبيرة. البقاع نموذجاً
البقاع ــ رامح حمية
بين 10 نيسان 2003 تاريخ استحداث بلدية ميدون في البقاع الغربي، و27 شباط 2010 تاريخ استحداث بلدية تل ذنوب في البقاع الغربي، أصدرت وزارة الداخلية والبلديات 24 قراراً باستحداث بلديات توزّعت بين 13 بلدية في بعلبك، 5 في البقاع الغربي، 3 في زحلة ومثلها في الهرمل، فضلاً عن طلبات لقرى لا تزال تنتظر قرارات البتّ بها.
قد يعتقد البعض أن قرار الدمج والفصل في البلديات يقتصر على مرسوم حكومي فقط، يقضي حيناً بضمّ قرى صغيرة إلى بلديات مجاورة لها توحّد بينها عوامل الجغرافيا والعمران، أو يوافق حيناً آخر على فصل قرى وإنشاء بلديات مستقلة لها. إلا أن الواقع يؤكد أن كلّ مرسوم يحمل في كواليسه حالات من الخلافات والتجاذبات العائلية، التي يفرضها وجود فريقين: مؤيد ورافض. وبين هذا وذاك، يبقى لديموغرافيا الانتخابات الوقع الكبير في تفاصيل الدمج والفصل، وخصوصاً أن بعض البلدات قد تمثّل «بيضة القبّان» في العملية الانتخابية.
وعلى الرغم من أن الدمج في بلدية كبيرة يمثّل عنصر قوة بالنسبة إلى العديد من القرى والبلدات الصغيرة، التي لا تتمتع بوفرة في وارداتها الذاتية، إلا أن معظم الآراء في البقاع تفضل الانفصال وإنشاء بلديات مستقلة، وإن بواردات محدودة. يعود السبب إلى إيمان الأهالي بقدرتهم على تسيير الأمور الخدماتية والإنمائية من جهة، لكن الأهم قناعتهم بأن الضمّ يبقيهم بعيدين فعلياً عن الوصول إلى ممثلين حقيقيين لهم في المجلس البلدي من جهة ثانية، وذلك بناءً على مبدأ «اللائحة الكبيرة تأكل الصغيرة»، بحسب ما يؤكد المهندس بلال فرحات ابن بلدة بيت شاما الذي يتساءل: «كيف يمكن الديموقراطية أن تستقيم وناخبون غيرك يصوّتون مكانك؟».
الدمج يبقي ممثلي القرى الصغيرة بعيدين عن مركز القرار
بناءً عليه، لا يكاد أحد يسمع في البقاع بطلبات الدمج، في وقت تطغى فيه طلبات الفصل بقصد إنشاء بلديات مستقلة، بحسب مصدر مسؤول في قائمقامية بعلبك، الذي أكد في حديث لـ«الأخبار» أن البلدات التي تقدّمت بطلبات فصل ضمن قضاء بعلبك هي كفردان وبيت شاما ووادي أم علي (مزارع بيت مشيك)، وذلك عن بلدية شمسطار، فيما بيت أبو صليبي يطالبون بالانفصال عن بلدية بتدعي، والعلاق عن بلدية بوداي (راجع التقرير أدناه). أما البزّالية فهي تطالب بالفصل عن بلديتي اللبوة وحربتا. ولفت المصدر إلى أن كلّ بلدة من هذه البلدات تنفرد بسبب خاص يؤخر انفصالها. ففي البزّالية ثمة خلاف بينها وبين حربتا على النطاق العقاري، الأمر الذي يعيق انفصالها ريثما تحلّ مشكلة الترسيم بينهما، وتكاد المشكلة تكون ذاتها بين بلدية بتدعي وبيت أبو صليبي لجهة ملكية العقارات.
ورداً على سؤال عن المفاضلة بين الدمج والفصل، رأى المصدر أن على الأهالي الذين يطالبون بالانفصال «التنبه والتدقيق في مدى القدرة على إنجاح مشروع البلدية، ومقدار واردات بلدتهم الذاتية حتى لا يصلوا بعد الفصل إلى التقوقع وعدم المقدرة على مجاراة البلديات المجاورة لهم، وحتى يكونوا قادرين على تسديد رواتب الموظفين من أمين سر وحاجب وشرطي». يوضح: «كيف يمكن البلدة التي ليس فيها دكان أو محطة محروقات أن تطالب بالفصل والخروج من دمج مع بلدية كبيرة يوفر لها الخدمات والمشاريع الإنمائية؟».
هذه المخاوف لا تؤثر على الراغبين في الانفصال، على الأقلّ هذا ما تثبته تجربة بلدية قلد السبع التي استحدثت بعد انفصالها عن بلدية شمسطار. وعلى الرغم من أن قرار الفصل أقرّ بتاريخ 29 أيلول 2004، أي بعد الانتخابات البلدية والاختيارية، فلم يتسنَّ لها انتخاب مجلس بلدي وبقيت بيد قائمقام بعلبك، إلا أن أهلها يعتبرون أنهم حققوا إنجازاً بالانفصال لأنهم كانوا مهمشين سابقاً. «المشاريع الإنمائية والخدماتية لم تطل بلدتنا» يؤكد المختار مشهور مشيك، معتبراً أنهم بالانفصال «خرجوا من مبدأ المداورة في وصول الخدمات».
على المطالبين بالانفصال التدقيق في قدرتهم على إنجاح البلدية
بدوره المحامي علي مشيك، الوكيل القانوني عن بلدية قلد السبع، أكد أن الفصل «كان في مصلحة البلدة بكل المعايير والمقاييس، سواء القانونية والانتخابية أو الإنمائية والخدماتية». ويشير إلى أن بلدية شمسطار، التي كانوا ملحقين بها منذ عام 1965، «كانت مجحفة بحقنا، ويبدو ذلك جلياً لمن كان يدخل البلدة في السابق»، موضحاً أنهم بمساعدة القائمقام تمكنوا من توسيع الطرق وتعبيدها وإصلاح مضخة بئر المياه «الذي أنجزه لنا مجلس الإنماء والإعمار». ورداً على السؤال المتعلق بمدى توافر الواردات الذاتية في البلدة أكد مشيك أن «مشاعات قلد السبع من أكبر المشاعات في المنطقة، وهي تصل حدود العاقورة وتوفر إيراداً جيداً لصندوق البلدية»، مشيراً إلى أنه في السابق وقبل الانفصال «كان ثمة شخصان نافذان يقدمان على تضمين (إيجار) المشاعات وتقسيم الإيراد في ما بينهما، أما اليوم فتغيرت الأمور بوجود إدارة رسمية في البلدة، حيث بات إيراد المشاعات لأهل قلد السبع وللمشاريع التي تعود بالنفع عليهم، فضلاً عن مخصصاتنا من الدولة».
بلدية حدث بعلبك نالت قرار انفصالها عام 1962 عن بلدية شمسطار، وأثبتت نجاحها في العمل الإنمائي والخدماتي. هذا ما يؤكده رئيس بلديتها سليمان زعيتر مشجعاً على الفصل «لأنه يعود بالاستقلالية والإنماء على البلدة التي تخلصت من الدمج، ويصبح بإمكانها التقدم من الجهات الدولية المانحة بطلب مساعدات لتنفيذ مشاريعها، بالإضافة إلى مخصصاتها من الدولة». ويتساءل زعيتر: «إذا لم يكن أهالي البلدة المطالبة بالفصل متضررين من الدمج فلماذا سيطالبون به؟»، مضيفاً أن قرار فصل حدث بعلبك عاد عليها بالإيجاب ولم يعد ينقصهم في البلدة إلا سدّ ثغرة مياه الشفة ومشروع الصرف الصحي ومحطة التكرير التابعة له.
وإلى جانب القرى التي نالت حقها بالانفصال، وصدرت مراسيم إنشاء بلديات لها، ثمة بلدات في البقاع لا تزال تنتظر طلبات فصلها. ويستغرب المعنيون بها التأخر في بتها، مؤكدين رغبتهم الكاملة في الانفصال والبقاء في عهدة القائمقام فيما لو تأجّلت الانتخابات، وذلك لتوافر القناعة لديهم بأنهم لا يحصلون على الإنماء المتوازن مع البلدية الملحقين بها، وبأنهم عبارة عن «بيضة القبّان» كقوة انتخابية يستعان بها للنجاح في الانتخابات البلدية والاختيارية.


السياسة تجمّد الفصل

علمت «الأخبار» من مصادر مطلعة على ملف فصل بلدات كفردان، بيت سويدان، بيت شاما والعقيدية عن بلدية شمسطار أنه لا يزال في أدراج البلدية ولم يُرفع إلى قائمقام بعلبك، الذي بدوره ينبغي أن يرفعه إلى وزير الداخلية للبتّ به.
وكشفت المصادر أنه، على الرغم من موافقة المجلس على الفصل في الجلسة التي عقدت بتاريخ 31 كانون الأول 2010، إلا أن الوزير المعني بالأمر في المنطقة طلب تجميد الملف بذريعة أن القرار السياسي هو الذي يؤخر البت به، وأن الفصل لا يمكن أن يحصل حتى يتبين إذا ما كانت الانتخابات ستحصل أم لا. وذكر المصدر أن وفداً كبيراً من أهالي بلدة كفردان حضر قبل أسبوع برفقة أحد المخاتير للاستفسار عن الأمر، إلا أن الجواب تمثل بتهدئتهم تحت حجة الخوف من حصول الفصل في وقت قد تتأجل فيه الانتخابات فتصبح البلدة في عهدة القائمقام.