هل تستمرّ ضيعة في لبنان من دون أن يكون لها طريق؟ سؤال يطرحه أهالي بلدتي فدار التحتا وبشتليده، ويقابله سؤال من القيّمين على محمية بنتاعل: هل تستمر محمية طبيعية إذا اخترقتها طريق تُسهم في تدهور تنوعها البيولوجي؟ السؤالان ينتظران إجابة مقنعة وحلاً منصفاً من الإدارات الرسمية
جوانا عازار
تأهيل طريق فدار التحتا ـــــ بشتليده في قضاء جبيل مجمّد، وأهالي البلدتين يطالبون بتوسيعه، فيما تتحدّث لجنة محميّة بنتاعل الطبيعيّة المقابلة له عن «الخطر الناتج من ذلك، إذ يوثّر توسيع الطريق على التنوّع البيولوجي في المحميّة وفي المحيط». وبين حقّ أهالي بلدتي بشتليده وفدار بالوصول إلى منازلهم، وحقّ محميّة بنتاعل الطبيعيّة في الحفاظ على وجودها، اقترحت لجنة المحميّة حلاً قدّمته إلى وزارة البيئة والمعنيين.
النزاع على طريق فدار التحتا ـــــ بشتليده دام سنوات طويلة، وقد ظهرت آخر فصوله في كتاب وجّهته لجنة محميّة بنتاعل إلى وزارة البيئة في 18 كانون الثاني 2010، وفيه إشارة إلى «محاولات لإعادة استئناف أعمال شقّ الطريق وتوسيعها من دون الدراسة المطلوبة، من خلال السعي إلى الحصول على تراخيص من وزارة الأشغال العامّة والنقل ووزارة الداخليّة وغيرها من الجهات المعنيّة من دون الرجوع إلى وزارة البيئة». وأشارت إلى أنّ أعمال التوسيع «أقلّ ما يقال فيها أنّها مخالفة لأحكام القانون والشروط العامّة للاستثمار والمعايير البيئيّة والصحيّة ولأحكام قانون إنشاء محميّة بنتاعل رقم 11/99 بسبب ما ينتج منها من تلوّث بيئي وتسكير لمسام النباتات وتدمير للتنوّع البيولوجي داخل المحميّة وتشويه للمواقع الطبيعيّة».
وكانت لجنة محميّة بنتاعل قد توجّهت بكتاب إلى المدير العام لوزارة البيئة برج هاتجيان في 11 كانون الثاني 2010 حمل الرقم 1/2010، بلّغته فيه أنّ السيّد فريد حديد هو المتعهّد الجديد الذي سيوسع الطريق قبالة المحميّة، وهو يدّعي حصوله على ترخيص بإنشاء ما يسمّى «فقاشة حجار» مكان الكسارة التي كانت تعمل سابقاً. بناءً على ذلك، توجّه هاتجيان بكتاب إلى محافظ جبل لبنان بالتكليف، أكّد فيه أنّه عطفاً على كتاب لجنة المحميّة، تؤكّد المديريّة العامّة للبيئة أنّ «أيّ أعمال شقّ طريق أو عمل كسّارة نقالة أو ثابتة أو فقاشة أحجار أو غيرها في المحميّة الطبيعيّة ومحيطها هو مخالف لقانون إنشاء محميّة بنتاعل، وبناءً على ذلك تطلب المديريّة العامّة للبيئة العمل على إيقاف أعمال فقاشة الأحجار في محيط محميّة بنتاعل الطبيعيّة فوراً».
تقترح لجنة محمية بنتاعل تعديل مسار الطريق إلى البلدتين
وفي المقلب الآخر، يقول أكرم برق من بلدة الفدار باسم أهالي المنطقة لـ«الأخبار» إنه يبلغ طول الطريق 4,8 كلم2 وهو يخدم نحو 15 ألف نسمة، مضيفاً: «نحن نحترم البيئة، لكننا نريد أن نصل إلى منازلنا، لقد شققنا الطريق بتنازلات عن أراضينا وبمجهود شخصيّ منّا، ولا يمكن أن ينسى أحد أننا أولاد ضيعة ونلتزم الشروط البيئية». برق سأل: «هل تستمرّ ضيعة في لبنان دون أن يكون لها طريق؟ وهل نحن مجبرون على اجتياز مسافة 27 كلم2 الى عنّايا ومنها إلى بشتليده، فدار الفوقا ثمّ فدار التحتا وبلدة حبوب، بدل الوصول إلى منازلنا من بلدة حبوب؟». وأشار برق إلى أنّ البيئة هي تكامل مع الإنسان، والمطلوب تأهيل الطريق كي لا ينزح أبناء البلدتين إلى الساحل. بدوره، يقول كاهن رعيّة حبوب، الأب فادي خوري حنّا: «الأرض أرضنا والحقّ حقّنا، فهل يجوز أن نمنع من التواصل؟ يريدون تهجير أولادنا من بلداتهم، لكنّنا واثقون من أنّ حقّنا سيصل، علماً بأنّ لنا الشرف في أن تكون المحميّة في منطقتنا ونحن نحمي البيئة ونرفض أن تقطع شجرة على نحو غير لائق».
أمام هذا الواقع، اقترحت لجنة محميّة بنتاعل الطبيعيّة حلاً للموضوع، ووجّهت بشخص رئيسها، المهندس ريمون الخوري، كتاباً إلى وزير البيئة محمّد رحال ورقمه 1160/ب تاريخ 15 آذار 2010 يتحدّث عن «وقوف اللجان المتعاقبة للمحميّة بوجه شقّ الطريق لما يسبّبه من تشويه وخطر على التنوّع البيولوجي في المحميّة وفي المحيط»، مع الإشارة إلى أنّ بلدتي حبوب وفدار تمثّلان اهتماماً كبيراً للجنة المحميّة، وهذه الأخيرة بعد تواصلها مع الجهات الرسميّة المعنيّة، «قاربت المرسومين الخاصّين بالطريق وهما المرسوم 9768 الصادر في تاريخ 21/1/1997 والمرسوم الرقم 1751 الصادر في تاريخ 29/11/1999 وأعدّت جدول مقارنة بينهما. واقترحت بناءً على ذلك دمج المرسومين بمرسوم واحد بحيث تمتدّ الطريق من بلدة حبوب إلى بلدة فدار التحتا وفقاً لما هو محدّد في المرسوم الرقم 9768 مع تعديله من الجهة المقابلة للمحميّة عند الكوع الثالث من جهة الشمال، ومن ثمّ يتّصل بالطريق وفقاً لما هو محدّد في المرسوم الرقم 1751 وتحديداً جنوب كنيسة فدار التحتا ويتابع اتّجاهه صعوداً وصولاً إلى فدار الفوقا. وبذلك، يكون حجم العقارات المستملكة بالمرسوم الرقم 9768 قد تقلّص بنسبة كبيرة، وفي الوقت عينه تكون الاستفادة قد تحققت من التنازلات التي قدّمها أصحاب العقارات في منطقة فدار الفوقا العقاريّة. علماً بأنّ معظم النسب المستملكة وفقاً لهذا الاقتراح هي ضمن الربع المجاني، ما يخفض نسبة الأعباء الماليّة المستحقة على المالكين لقاء هذه الاستملاكات. ونتيجة ذلك يصل أبناء البلدتين إلى منازلهم من دون أن يسببوا أيّ ضرر للمحميّة».
عضو لجنة البيئة النيابية سيمون أبي رميا أشار إلى أنّ «وزير البيئة مدعوّ إلى إصدار قرار صارم يوازن بين الحاجة البيئيّة وحاجة الإنسان في الوقت عينه». هذا، وزار وزير البيئة محمّد رحال جبيل في 5 آذار الماضي، وتفقّد الطريق المذكورة عن كثب، مؤكّداً إثر الزيارة أنّ الوزارة تملك ملفّاً كاملاً عن الطريق وهي تتابع تفاصيله. وعقد رحّال بعد ذلك التاريخ في الوزارة عدداً من الاجتماعات بين المعنيين الرسميين ولجنة المحميّة إضافة إلى لجنة المتابعة من الأهالي، وبُحثت الإشكاليات المطروحة على أمل إيجاد حلّ قريب لمعضلة دامت سنين طويلة.