أمس، تخطى الحدث نفسه في AUB، إذ تحوّل تدشين «زاوية المتحدثين» إلى فرصة لإبراز التوتر المتراكم في العلاقة المشحونة بين مجلس الطلبة وجزء من قاعدته. ما بدأ احتجاجاً على حظر الكلام في السياسة والدين تطوّر إلى جدال بشأن استقلالية الجسم الطالبي وصحة تمثيله من جانب المجلس
رنا حايك
بعد انقطاع دام 36 عاماً بسبب الحرب الأهلية، تحاول الجامعة الأميركية في بيروت استرجاع نشاط عريق هو «زاوية المتحدثين»، (راجع الأخبار، عدد 3 نيسان 2010) . وبينما يرى مجلس الطلاب أنه بذل مجهوداً كبيراً لإقناع الإدارة بعودة النشاط، بعدما وصل معها إلى تسوية قوامها استبعاد طرح المواضيع المتعلقة بالدين والسياسة للنقاش، على أمل فك تلك المحظورات مع الوقت، يرفض جزء كبير من الطلاب تلك التسوية، معتبرين أنها تحمل تصغيراً للحركة الطالبية، يسهم فيها المجلس الطالبي المتهم بالتماهي مع الإدارة وبتبديد مكتسبات كانت المجالس الطالبية قد حصلت عليها تاريخياً. «خلال السنوات الماضية، اقتصرت النشاطات على تنظيم حفلات موسيقية وبيع حلوى معدّة في المنازل. أهذا ما خُلقَ له الطلاب؟»، تسأل إحدى الطالبات، التي رفضت أمس الحديث إلى مراسل الحرة، لكونها، كما قالت له، «حرّة، مثلك تماماً». تلك الطالبة المشاكسة، التي آثرت عدم ذكر اسمها، تنتمي لما أصبح يعرَف في الجامعة الأميركية بـ«الخمسين يسارياً» الذين يصفهم رئيس المجلس الطالبي، الياس غانم، بـ«المحتجين الدائمين، لكونهم لا ينظرون سوى إلى النصف الفارغ من الكوب». غانم، الذي افتتح النشاط يوم أمس «باسم الحرية»، برّر موقف الإدارة بحظر الحديث بالسياسة والدين قائلاً: «لدينا أهالي طلبة يزوروننا يومياً طالبين منا حماية أبنائهم بعد أن يجتازوا بوابة الجامعة. كيف نعرّضهم للخطر إذاً؟». ذلك الموقف هو بالتحديد ما يستفز الغاضبين، فهو يحمل «لهجة تربوية فيها من الوصاية ما نرفضه، وافتراض مسبق بأننا همجيّون. لم لا يجرّبوننا قبل فرض تلك القواعد؟ ثم، لمَ علينا أن نرسل إلى العميد طلباً مسبقاً للتحدث في مساحة حرة مثل هذه؟ أصلاً، ها هو النشاط يدشّن ونحن محاصرون برجال الأمن وتحت أعين الإدارة. نحن أنضج من أن نقبل تسوية كهذه».
طبعاً، لم يصادر المحتجّون على الحدث. فقد اعتلى المنبر تباعاً طلاب أيدوا موقف المجلس والإدارة. أحدهم أكّد على «مساحة الحرية والتعبير في الأميركية»، وهو الموضوع الذي كان مطروحاً للنقاش يوم أمس، مستشهداً بجريدة الطلاب في الجامعة، وبوجود النوادي والانتخابات فيها. إحداهنّ رأت أن الدين والسياسة ليسا جوهر أيّ نقاش، طارحةً التحدث عن «الشجر ليش أخضر»، ما استتبع موجة من الضحك لدى المشاكسين الذين حملوا لافتة كبيرة طوال فترة النشاط مكتوب عليها: «أوقفوا القمع الثقافي».
فقد تطرّقت مداخلات المحتجين لما سمّوه «وهم تسوّقه الجامعة الأميركية بأنها تؤمن حرية الرأي والتعبير في حرمها». لتأكيد ذلك، استشهدت زينة هندي، التي اعتلت المنصة وهي ترتدي كوفية فلسطينية بعدة مواقف قائلة: «لو لم تكن AUB تمنع التظاهر لكنت قد تظاهرت ضد أغنى رجل في العالم كان في ضيافتها من دون أن يمنعني الأمن من ذلك، ولكنت قد استطعت استضافة متحدثين ضد العنصرية الإسرائيلية في ندوات، ولكنت قد تمكنت من التعبير عن سخطي من تطبيع ثقافي مورس فيها من دون أن أُتهم بأنني انفعالية كما قيل لي»، قبل أن تدعو مجلس الطلبة، «إن كانت نيته فعلاً الذّود عن حرية التعبير كما يدّعي، إلى العمل ضد تحجيم النشاط السياسي في الجامعة».
في مقابل أحد الطلاب الذي دعا الصبايا «للحديث في إحدى المرات عن كيفية صنع التبولة»، ما أثار سخطهن، سأل الطالب نايت جورج فعلاً إن كان المطلوب تحويل هذا التقليد العريق إلى مساحة نقاش في أفضل جرّاح تجميل!


ترويض زاوية المتحدثين غير مقبول

يؤكد بعض الطلاب من المحتجين على حظر التحدث بالدين والسياسة أنهم كانوا هم وراء إعادة تفعيل هذا التقليد، إلا أن تسريباً أوصل الفكرة إلى مجلس الطلاب والإدارة الذين تلقّفوه ليطلقوه بنسخة «مسخرة» كما يصفها أحدهم، معتبراً أنها «صفقة بين الإدارة والأحزاب المسيطرة على المجلس». وقد دعا ذلك أحد الطلاب إلى عدم شكر المجلس على جهده خلال المداخلة التي ألقاها لأنه «ما كتير تعبتوا»، كما قال.
وقد أصدر المحتجون بياناً أكدوا فيه رفضهم للصيغة الحالية، وإلّا، «فكيف ستخرّج الجامعة طلاباً حقيقيين، يواجهون الحياة في ما بعد؟»، كما علّق أحدهم، بينما صرخ آخر رداً على منسق الجلسة الذي أكد «لسنا جاهزين بعد للتحدث بأمور حسّاسة»، قائلاً: «إي ماننا بيض بعد!»