النبطية ــ مايا ياغييجمع الشباب في مدينة النبطية على حبهم للعمل التطوعي. أخيراً، صارت ساعات أيامهم تختلط مع دوام تطوّعي في مختلف المجالات. وإذا أردنا أن نعد أسماء الجمعيات في المدينة، فسيكون صعباً ألا ننسى أحدها، فهي تبدأ مع الصليب الأحمر، الدفاع المدني، الهيئة الصحية الإسلامية وإسعاف النبطية، وتمر ببيت الطلبة، وهيئة حماية البيئة، ولا تنتهي بعدد كبير من المؤسسات الخيرية التطوعية، التي تفتح للشباب أبوابها على مدار العام. ولا يخفى على أحد، أن العمل التطوعي في المدينة ينضوي في إطار توجهات سياسية عديدة. ولكن، تحاول كثير من الجمعيات أن تنأى بنفسها عن هذه الاصطفافات الحزبية. بيت الطلبة مثلاً، وكما يلفت مسؤولون فيه، «يرفع صوت النبطية فقط». هناك، يعمل الطلاب مع الأطفال في المخيمات الصيفية. يقومون بالاحتفالات الفلكلورية، التي يرى البعض فيها إعادة «الوجه الثقافي» للنبطية. وينتج من هذا التطوع أيضاً، تأمين مسلتزمات الطلاب من خارج المدينة، وإقامة المباريات الرياضية، ناهيك عن وجود فريق إسعاف يختص بحالات المرض والمساعدة.
بدوره، يسهر نادي الشباب التابع لحسينية النبطية ليالي شهر رمضان، سعياً وراء تأمين وجبات العائلات الفقيرة واحتياجاتها، فيما يجهد فريق الإسعاف التابع له بالعمل على مدار 24 ساعة بمشاركة صبايا المنطقة وشبابها. وفي هذا الإطار، يقول محمد جابر، رئيس فريق الإسعاف، إن «حب العمل التطوعي يختلف من شخص إلى آخر، لكن الأهم في الأعمال التطوعية هو عمل المسعف». الأخير لا يطلب شهرة معنوية ولا يحب الظهور الاجتماعي. يشرح جابر: «لا نعرف الإنسان الذي ننقذه غالباً كما أنه يعرفنا لأنه يكون فاقد الوعي». ويضم فريق المتطوعين في الإسعاف نحو سبعين شاباً وصبية. عباس شميساني أحدهم. يلتزم بدوام عمل يومي. ورغم هذا، خصص وقته الليلي ليكون في مبنى فريق الإسعاف، فعائلته الثانية يجدها ضمن هذا الفريق، حيث يقضون «أجمل اللحظات».
ويرى بعض أهالي المنطقة، أن البيئة الاجتماعية في المدينة قد تلعب دورها في توسيع هذه الظاهرة، لافتين إلى أن التربية الاجتماعية تصقل شخصية الفرد منذ الصغر على مساعدة الآخرين. وتتنامى هذه التربية مع عدم وجود ما يقضي الشاب «النبطاني»

في ظل البطالة يصبح العمل التطوعي الباب الوحيد لدخول المجتمع
به وقته، فالنبطية، ورغم كونها «مدينة» ما زالت تفتقر إلى مقومات المدينة. البطالة مزرية في صفوف الشباب المتخرجين حديثاً هي الأخرى. هكذا، يصبح العمل التطوعي الباب الوحيد لدخول المجتمع. ضحى صباغ مثال. هي إحدى المهتمّات بالبيئة، التي تطوّعت في إحدى الجمعيات المختصة بهذا المجال. تشعر بمتعة في ما تقوم به، وخصوصاً على صعيد منطقة النبطية، «فعندما تجد تجاوب الشباب في المحافظة على بيئتهم ومحيطهم من خلال غرس شجرة أو تنظيف مكان عام، يفوق الأمر أعلى الرواتب التي قد تحصل عليها». محمد حمود جرّب العديد من الأعمال التطوعية هو الآخر. صقل الأمر شخصيته بالكثير من التجارب، «فعدم الالتزام ببدل مادي يجعلك تبدع بما تقوم به لأن ما تعطيه ينبع من داخلك وليس لأنك ملتزم بميثاق عمل، وبالتالي تشعر بحرية العطاء على اختلاف أشكالها».
وفي الحديث عن المجتمع، وتقلباته، لا بد من الإشارة إلى أن النبطية مرت بكثير من الأحداث المأساوية. فمن الحروب الإسرائيلية المتعاقبة، إلى الأحداث والمناسبات الدينية التي تستوجب اهتماماً واستنفاراً من النواحي الصحية (وخصوصاً في أيام عاشوراء وشهر رمضان)، كان العمل التطوعي لافتاً وواضحاً، كما تجلى في كارثة وقوع الطائرة الإثيوبية، التي أكدت، في رأي كثيرين من أهل المدينة، متانة العلاقة بين شباب النبطية والتطوع.