عيتا الشعب ــ زينب صالحبدأ موسم زراعة التبغ في قرى الجنوب، ومنها عيتا الشعب. في تلك القرية الحدودية، الكل مزارع. لا فرق هناك بين تلميذ وفلاح، أو بين شاب أو صبية، حين يتعلق الموضوع بزراعة التبغ. ذلك أن تلك الزراعة هي مصدر الرزق الرئيسي لمعظم أبناء البلدة، وهو أمر ينطبق عموماً على كل قرى الجنوب. في عيتا، يشمّر الشباب عن سواعدهم في مثل هذه الأيام من كل عام، ويتفرّغون لمساعدة ذويهم بالعمل الزراعي الشاق. هكذا، تستعد فاطمة للذهاب إلى الحقل مع والديها فجر كل يوم خلال الموسم، ما يضطرها للتغيب عن مدرستها لمدة أسبوع كامل «لأننا نزرع كميات كبيرة من التبغ، فعائلتنا كبيرة ووالداي عجوزان ويحتاجان إلى مساعدة» كما تروي. والد فاطمة مزارع يعتاش من بيع الحليب ومن حراثة الأرض، لكن التبغ هو مصدر رزقه الأساسي. وبما أنه لا يكتفي بتوفير المأكل والملبس لأبنائه، بل يقتطع جزءاً من مدخوله لتسديد أقساطهم في المدارس والجامعات، يحرص كذلك على ألّا يفوتهم عيد من دون ثياب، وعلى أن ينالوا بدلاً يوم «تسليم الدخان»، لا يتذمر أبناؤه حين يطلب مساعدتهم في العمل، بل «ننتظر موعد التسليم بفارغ الصبر كي نحصد ثمن تعبنا طوال العام»، كما يقول ابنه يوسف (17عاماً). في موسم الزراعة، يكثر غياب طلاب عيتا عن مدارسهم وعن جامعاتهم، أو حتى أحياناً عن أماكن عملهم في المدينة. علي غاب العام الماضي شهراً كاملاً، كان السبب في رسوبه في الصف الثانوي الأول «لأن والديّ لا يستطيعان توظيف عمال بسبب ضيق الوضع المعيشي، ولم أستطع بعد ذلك تعويض ما فاتني من الدروس، رغم مساعدة أصدقائي». أما مديرو المدارس والأساتذة، فيأخذون موسم الزراعة في الاعتبار ويتفهمون ظروف تلامذتهم، فلا يعاقبونهم على الغياب، بينما يؤجل البعض منهم مواعيد المسابقات ريثما ينتهي الموسم. يوزع أفراد العائلة الأدوار في الزراعة على بعضهم، حتى الأطفال منهم، الذين يقتصر دورهم على نقل المياه من البرك بالطرق التقليدية.
أما الشباب، فيملأون الحقل بالموسيقى والهوارة خلال العمل، ليمر الوقت سريعاً «لا نشعر بالتعب عندما يكون عددنا كبيراً» كما يقول وسام (19 عاماً)، الذي قضى إجازة الربيع في مساعدة أصدقائه في العمل. بعض الشباب ينتظرون هذا الموسم ليزرعوا بـ«الأجرة» أو لـ«يضمنوا» حقلاً من التبغ، ما يساعدهم على الادّخار لمصاريف جامعاتهم أو لبناء منزل لهم في القرية أو للزواج.