تذكّر حملة «نسويات» بأغنية «يا سلوى ليش عم تبكي». سلوى وأخواتها ضقن ذرعاً بعمليات التحرش الجنسي لفظاً ولمساً، فأطلقن حملتهن
أحمد محسن
صار التحرش بديهياً، ويكاد أن يكون مسوّغاً اجتماعياً. أنتِ أنثى إذاً أنتِ في خطر: في الشوارع ووسائل المواصلات ومكان العمل والجامعة والمدرسة... والمنزل أيضاً. أنتِ أنثى إذاً أنتِ هدف بديهي لذكورية المجتمع. ولهذه الأسباب، ولأن القانون اللبناني في صلبه ما زال سفاحاً في حق المرأة، لا بد من أن تتوقّفي عن السكوت. ومن هنا، جاءت فكرة مجموعة «نسويات». حملة ضد التحرش اليومي يجب أن تكون دائمة. وهكذا، ولدت «سلوى».
سلوى هي صورة لفتاة لبنانية عادية. تحمل حقيبة يد حمراء. شعرها مسرّح بلا مغالاة أو تكلّف. الصبايا اخترنها في الجمعية، لتكون المتحدثة باسم حملتهن. سلوى متحدثة غير ناطقة. حتى الآن، تنطق بالرسوم، والفيديو. لكن، سلوى، الشكل المتوافق عليه للأنوثة لبنانية، قادرة على التحكّم في سير الأمور. قادرة على الصراخ من خلف صورة. وتالياً، قادرة على الرفض. رفع الصوت دليل رفض معلن وعدم إذعان للبديهي الاجتماعي. بلطافة بالغة، تتسلح سلوى في الحملة بحقيبة اليد. وحقيبة اليد، يمكن أن تكون ذات فعالية خارقة! في رأي الصبايا في الحملة، إنّ تعزيز ثقة الأنثى بنفسها يقتل كواتم الصوت ويشجّعها على اكتشاف قدرة تخفيها وتكبتها بحكم الواقع الشرقي الذكوري، المدعّم بسلطة القانون الظالم أحياناً.
بدأت الفكرة مع خمس فتيات شابات. وسريعاً، بادرن إلى تنفيذها. الوقت لا يسمح بالسكوت أكثر. أماندا أبو عبد الله رسمت صورة معقولة لسلوى، ثم واكبتها الزميلات، في متابعة مغامرات «سلوى»، عبر مجموعة من الخطوات العملانية، تعتمد على الميديا الجديدة، فنشرت مغامرات «سلوى» الحالية في كل الوسائل الإعلامية المتاحة (فايس بوك، مدوّنات، يوتيوب) وهذه ملاحظة مهمة أيضاً. لجوء الفتيات إلى هذا النوع من الإعلام يدل على حقيقة لم يقلنها. الجنسان باتا متساويين حكماً، لولا بعض الأعراف. والتحرش، ربما، ليس سوى نتيجة غير مباشرة للأعراف، أكثر من كونه نابعاً من إغراء جسدي تتمتع به الأنثى بصفة

القانون الذي يَعدّ الزواج إصلاحاً ممكناً للاغتصاب جائر

خاصة. لكن، أحد الإعلانات الخاصة بمجموعة «نسويات»، لا يرحم العولمة. فهذه الفائضة في تصدير ثقافة الاستهلاك إلى الشرق، تحوّل المرأة إلى كائن مستسلم لمسحوقات التجميل ومحكوم بالشكل الخارجي، ما يحفّز الجنس الآخر على التعامل معها كأداة جنسية. هكذا أيضاً، يمكن أن تأخذ العولمة شكلاً ذكورياً، وتصبح الأنثى فريستها. لا يتوقف الأمر على هذه العوامل المتضافرة ضد المرأة والفتاة والطفلة، فالصبايا ناقمات على بعض مواد القانون. القانون الذي يَعدّ الزواج إصلاحاً ممكناً للاغتصاب، هو قانون جائر. القانون الذي يسخر من العوامل النفسية للأنثى، ويرى في التحرش اللفظي أمراً عادياً، هو قانون رثّ ولا يأخذ بعين الاعتبار الواقع النفسي للفرد. وفي هذا السياق، أكدت الناشطة في الحملة، لين هاشم، أن الحملة ستحاول التنسيق مع وزارة الداخلية، كما ستنظّم لقاءات دورية للناجيات، لتبادل الحديث عن تجاربهن. كما ستؤسّس موقعاً إلكترونياً، وتعدّ لإصدار كتيب يحوي إرشادات للفتيات للدفاع عن أنفسهن في حال تعرّضهن لمحاولة تحرش أو اغتصاب.
لا يعني ذلك أن التحرش مسؤولية الرجل وحده دائماً، وأن هذه الأمور تحدث في الشرق فحسب. لكنّ عمل الحملة يندرج في سياق واضح. يجب الحد من «قوننة» هذا الألم، والوقت حان لإسقاط صفة الذكورة المطلقة عن المجتمع.