نصت مواد قانونية على حقوق العامل في حال تعرضه للإصابة في العمل، لكن بعضها لم يدخل حيز التنفيذ رغم مرور أكثر من 25 عاماً على اقتراحها، ووزير العمل بطرس حرب يتحدث عن مرسوم متقدم يطرحه قريباً على طاولة مجلس الوزراء
زينب زعيتر
«كنت أعمل في مشغل للخياطة عندما تعرّضت لإصابة أدّت إلى تشوّه إصبعي، ونتج منها عجز مؤقّت عن العمل» تروي سمر بحسرة المعاناة التي عاشتها بعد إصابتها، لا تتوقف كثيراً عند الألم الذي انتابها، أو تشوّه يدها، يتركّز حديثها على مصاريف العلاج التي تكفلت هي بدفعها كاملة، دون أي تدخّل أو مساهمة من صاحب العمل.
خضعت سمر لعلاج لأكثر من سنتين، ولم تطالب صاحب العمل بأي تعويض، فالأخير لا يملك بوليصة تأمين على العمال أو المعدات الصناعية في مشغله.
محمد، وهو سوري الجنسية، كان وضعه مشابهاً لسمر حيث تعرّض لإصابة في إصبعه في المنشرة التي يعمل فيها، ما أدّى إلى إصابته بعجز مؤقت عن العمل. حصل على إجازة لمدة عشرين يوماً من صاحب العمل الذي تكفّل بتغطية نفقات علاجه.
محمد وسمر لم يحصلا على أي تعويض عن التشوّه الذي أصاب كلاً منهما وفق ما ينص عليه المرسوم الاشتراعي الرقم 136، فقد جاء في المادة الرابعة:
«إذا سبّب الحادث للأجير عجزاً مستديماً جزئياً، حق للمصاب أن يتقاضى تعويضاً يتناسب مع الخسارة التي لحقت بمقدرته على الكسب».
صدر قانون طوارئ العمل عام 1983، من خلال المرسوم الاشتراعي الرقم 136، ويُعتبر القانون الوحيد الذي يلحظ حقوق العمال الناجمة عن إصابات العمل. وهو يخضِع لأحكام هذا المرسوم العمال اللبنانيين والأجانب على حد سواء. تفيد المادة 24 من المرسوم بأنّه يتوجب على كل صاحب عمل أن يصرّح عن أي طارئ يصيب أجيره، ويُقدَم التصريح إلى مجلس العمل التحكيمي في مهلة 3 أيام من تاريخ وقوعه. وإذا لم يدّع صاحب العمل، فعلى العامل المصاب أن يبلغ عن الإصابة لدى وزارة العمل. تكلّف الوزارة مفتشاً يوكّل للكشف عن مكان العمل الذي حصل فيه الحادث، للتأكّد من شروط السلامة المهنية فيه ووجود الاحتياطات اللازمة لوقاية العمال من الحوادث. تحوّل وزارة العمل المصاب إلى الطبيب الشرعي، وعندها يحدد التعويض اللازم بحسب كل ضرر.
عند قراءة قانون الضمان الاجتماعي، يلحظ القارئ عبارة «لم يدخل حيز التنفيذ» تسبق التعريف بنظام طوارئ العمل والأمراض المهنية الذي نص عليه قانون الضمان الاجتماعي اللبناني. هذا النظام جاء في إطار مشروع القانون الذي وُضع عام 1977، والمرسوم 136 بحسب المادة الثانية منه «لا يحق للأجير التذرّع بسبب الإصابة بأي نص قانوني غير أحكام هذا المرسوم الاشتراعي».
لكن هل يسمح المرسوم 136 بتعويض عادل لكل عامل أُصيب في عمله؟
يؤكد حقوقيون أنه لا يلحظ جميع الإصابات التي تنتج من حوادث العمل، فإصابة الكلى غير مذكورة في الملحق الخاص بالمرسوم المعدّل عام 2000، الذي يتضمن جدولاً بمعدلات بعض أنواع العطب التي تؤدي إلى العجز.
كما أنّ الجدول لا يعتبر أنّ فقدان الأصابع يؤدي إلى عجز دائم في اليد. وإذا أُصيب العامل بضرر أدى إلى عجز دائم يُعوّض عليه بموجب المرسوم الرقم 136 بـ36 ألف دولار حداً أقصى، وهذا المبلغ يعتبر زهيداً جداً نسبة إلى عامل تعرّض إلى إصابة دائمة وعجز كلي مدى الحياة.
يرى قانونيون أن أحكام القانون في لبنان «منصفة مئة في المئة لمصلحة أرباب العمل»، ويذهب البعض إلى القول إنّ المرسوم وُضع في الأساس لمصلحة أرباب العمل لأنّ المشرّعين أنفسهم يملكون أكبر الشركات والمؤسسات في لبنان.
الوزير حرب وقّع مرسوم قانون يحمي العمال من الإصابات المهنية ويعرضه قريباً على الحكومة
لا يجد وزير العمل بطرس حرب في المرسوم الرقم 136 قانوناً كافياً لحماية العمّال من خطر الإصابات، ويقول «لذلك وقّعت مرسوماً يتضمن مجموعة من التعديلات والإضافات على قانون العمل، ومن بينها قانون يحمي العمال من الإصابات المهنية، وسأعرض المرسوم على مجلس الوزراء في الأسابيع القليلة المقبلة تمهيداً لإقراره وسأسعى لأن يكون بنداً أول في جدول الأعمال». يخلق المرسوم الجديد العدالة والتوازن على مستوى حقوق العمال الناتجة من إصابات العمل، ويتوقع حرب ألا يلقى القانون أي تحفظات ويُقّر في أسرع وقت ممكن. بالنسبة إلى الشق المتعلق بطوارئ العمل والأمراض المهنية في إطار قانون الضمان، الذي لم يدخل حيز التنفيذ، يرى الوزير حرب «أنّه ليس صالحاً كفاية لضمانة حقوق العمال من الإصابات المهنية، لأنّ النصوص القانونية لم تكن كافية، وبحاجة إلى كثير من التعديلات على مستوى العقوبات والتعويضات».
النائب ميشال موسى، عضو في لجنة الصحة العامة والعمل والشؤون الإجتماعية، قال إن المرسوم 136 المعمول به حالياً غير كاف، ورأى أن عدم تطبيق المواد الخاصة بطوارئ العمل والأمراض المهنية يعود إلى «التكلفة المالية العالية» التي ستترتب في حال تطبيقه. شدد موسى على مسؤولية أرباب العمل وإدارة الضمان الاجتماعي، ودعا مجلس الوزراء إلى مناقشة قضية طوارئ العمل والأمراض المهنية وجعلها «رمزاً متقدماً وعلى قدر كاف لتأمين حقوق العمال».
يمثّل غياب تطبيق القانون الفاعل وعدم الالتزام بمبادئ التعويضات حوافز إضافية لأرباب العمل لعدم إيجاد نظام بيئي آمن وسليم في مكان العمل، كما أنّ العامل نفسه لا يطالب في كثير من الأحيان ببيئة سليمة للعمل مع تراجع فرص العمل. يؤكّد رئيس تجمّع اليازا زياد عقل غياب التوعية الضرورية للعمل على مستوى إجراءات السلامة في العمل. ومن هذا المنطلق نظّمت اليازا بالتعاون مع مؤسسة الأبحاث العلمية تدريباً للمزارعين عن المخاطر التي قد يتعرّض لها العامل أثناء تأديته عمله.
شدد عقل على أهمية الدور الذي يلعبه القضاة في هذا المجال، وذكّر بأن «القاضي هو الذي يصدر القرار حين ينظر في ملف إصابة عمل، ويمكنه أن يصدر حكماً يرفع الإجحاف عن العامل المصاب»، ويلفت رئيس اليازا إلى أن التعويضات التي يتلقاها عمال مصابون والتي لا تزيد عن عشرين مليوناً غير كافية.
أمل تعرّضت لإصابة عمل، كانت شابة متعاقدة مع مؤسسة أمنية رسمية، في طريق عودتها من عملها انقلبت سيارتها على طريق سهل البقاع، ما أدّى إلى إصابتها بشلل كلّي. تقول أمل «نتيجة للحادث تكسّرت الفقرتان السادسة والسابعة من سلسلة العمود الفقري، إضافةً إلى أن الحادث نتجت منه إصابة الرئتين والكليتين بضرر دائم». تعاني أمل اليوم شللاً كلّياً دائماً، وقد تكلّفت قوى الأمن بمصاريف العلاج لمدة سنة واحدة فقط، ويغطي ذوو أمل في الوقت الحالي نفقات العلاج المكلف جداً. تقول «استعان زوجي بعد مضي فترة على إصابتي بواسطة مقابل مبلغ مالي كبير لكي أُثبّت في قوى الأمن بدلاً من التعاقد». ونتيجة لهذه «الواسطة الثقيلة» تتقاضى أمل راتبها شهرياً دون انقطاع، لكن مع التوقّف عن دفع نفقات العلاج.


المادة 3 مقابل المادة 35

تتناول المادة 3 من المرسوم 136 التعويض عن العجز الدائم الكلّي إذا كان أجر العامل لا يتعدى الحد الرسمي للأجور، وتنص على «أن يتقاضى العامل المصاب تعويضاً عن 800 يوم من المعدل اليومي للأجر، إذا كان عمر الأجير أقل من 35 سنة، و700 يوم إذا كان عمر الأجير أكثر من 35 سنة. وعندما يتجاوز العامل الخمسين عاماً يُعّوض على أساس 600 يوم من المعدل اليومي له. وإذا تجاوز الحد الأدنى يُدفع ربع هذه التعويضات عن الجزء الذي يزيد عن الحد الأدنى للأجور وحتى ضعفه، وثُمن التعويضات عن الجزء الذي يزيد عن ضعفي الحد الأدنى الرسمي للأجور. بينما تنص المادة 35 من فرع طوارئ العمل والأمراض المهنية على أنّه «يحق للمضمون الذي يصاب نتيجة طارئ عمل أو مرض مهني، بعجز دائم وكلي تتثبت منه المراقبة الطبية، أن يتقاضى معاش عجز مدى الحياة تساوي قيمته ثلثي كسبه السنوي». كما يحق للمصاب الذي يتقاضى معاش عجز دائم ويحتاج لمعونة مستمرة يقدمها له شخص آخر، أن يقبض إضافياً يحدد مقداره بحسب القانون الأخير.