فهود طريق الجديدة، أسود الشياح، نمور الأحرار، فرق الصدم، أنصار المهدي، والقافلة تطول. كأنك في حديقة حيوانات. كأنك في شيكاغو الأربعينيات. الحرب مستمرة بين الشباب على «فايس بوك». إنه 13 نيسان. كل عام وأنتم بخير
أحمد محسن
ميليشيات. الميليشيات هي الأقوى على «الفايس بوك». هناك تطغى خُرافة الدم، وتسقط أقنعة الحوارات العفنة ومباريات كرة القدم الفولكلورية. هناك يتمترس عشرات الآلاف من الشبان خلف الشاشات، مدججين بأسلحتهم، وبالكره المتبادل بعضهم لبعض. وفّر الموقع الافتراضي ما لم تستطع كل وسائل الإعلام اللبنانية توفيره: الحرية المطلقة. وهكذا، خلف هذه الحرية تستكين غابة السلاح، بعيداً عن كل الشعارات السياسية الطنانة والصامتة بخصوص شرعية السلاح، وما تداعى من تحليلات «فذة» عنه. الشباب غير آبهين بشيء. لا رقيب ولا من يراقبون. صورهم بالمئات. روجر أحدهم. الشاب العشريني جاهز للقتال. قتال مواطنيه اللبنانيين طبعاً. يقول ذلك علناً على صفحته في الموقع. الشاب لا يمزح. صورته خير دليل على جديته. يرتدي بزة عسكرية صحراوية، مجعباً بعدة الموت، وقابضاً بقوة على سلاحه الحربي. روي أيضاً جاهز. فرح جداً بصورته خلف رشاش آخر، أشد فتكاً. يشرح تقنيات سلاحه: قادر على إطلاق عشرات الرصاصات في وقت قصير جداً. يمكنه قتل أكبر عدد ممكن من الأعداء. لم يتغيّر أعداء الأمس. زاد عليهم إيران وحزب الله. إسرائيل ليست عدوّاً بعد. كميل يأخذ الضفة المقابلة. يتربّص بمحاذاة أحد الجدران. يمسك الكلاشنيكوف بإتقان. عين ثاقبة على لحظة الانتقال من الحرب النفسية الإلكترونية إلى الميدان. كميل جديٌ هو الآخر. حسن يلاقيه في جدّيته. يتساويان في كره أحدهما للآخر من دون أن يلتقيا يوماً. حسن يبدو أشد استعداداً بالقذيفة الصاروخية التي تستريح على كتفه الأيمن، فوق ابتسامته الصفراء. تعاركا بالشتائم في إحدى المجموعات الإلكترونية، ولا يخفيان رغبتهما بالقتال بالرصاص. السلم الأهلي شعارٌ فارغ. هذا ليس انطباعاً شخصياً، أكثر مما هو حقيقة صلفة. الشابان متخاصمان ولم يزر أحدهما «معقل» الآخر، منذ السبعينيات. الأمور على حالها والبغض يدوس على هذه الأرض بقسوة. الطريق المرسومة على خريطة «الفايس بوك» لا تقود إلى جديد. الهاوية نفسها. شربل وجورجيو وعمر وبلال والجميع جاهزون. أنت في معرض للأسلحة الحديثة والذاكرة القديمة. والأشد ألماً، هو الشاب العلماني، المتحمّس لاستعادة أمجاد فقدها بعد اتفاق الطوائف. خضر، اللينيني، أحدهم. يقف رافعاً رشاشاً حربياً أميركي الصنع. يبتسم للكاميرا كأنه على مشارف الجبهة الشرقية وقد سحق النازيين لتوّه. يعلن أن «المواطن الذي لا يجيد استخدام السلاح هو مواطن لا يستحق الحياة». هذه المقولة للينين. لكن، فات «المتناضل» الشيوعي، أن يذكر في تعليقه على صورته، أن لينين قال جملته الشهيرة في أوائل عشرينيات القرن المنصرم. حينها كان هناك ثورة عظيمة وكانت البنادق موجهة إلى الوحش. اليوم، هذا السلاح، وهذه الحماسة، لا مكان لهما هنا، اللهم إلا إذا كان صاحبهما يعتقد أنه منظّم ضد العدو الحقيقي. المقاومون المنظمون لا صور لهم. لم نرَ صورة أحدهم. يقاومون بصمت بلا مغالاة. وفي أية حال، المنظَّمون ليسوا أفضل حالاً. كثير من مناصري المقاومة يشاركون في هذه المعمعة، سواء أكان ذلك بعلم القيادة أم لم يكن، يشبه ما يقوم به الآخرون. والمجموعات التي تمجّد السابع من أيّار لا تعد ولا تحصى.
إذاً، المعارك مستمرة. الجيش اللبناني، يحظى بعدد من المجموعات الداعمة هو الآخر. حتى أن بعض جنوده، أو منتحلي تلك الصفة (كما أكد مسؤول أمني)، يضعون صوراً لهم بالزي العسكري على الموقع. هنا، لا بد من التذكير: لا رقيب على الصور. اللافت هو تفشي الثقافة الحربية عند جميع الشباب. حتى المؤسسة العسكرية الرسمية، مدعومة في حالات محددة وواضحة. طبعاً، لا يعني ذلك هجوماً على الجيش أو مساواة بينه وبين الميليشيات. الجيش مؤسسة وطنية جامعة مهمتها حفظ الأمن والنظام، وهي تلقى الدعم «اللازم» على «الفايس بوك»، وخصوصاً في حربها على المخيمات الفلسطينية! في الحالات الأخرى، يبدو أن الاستغناء عن الجيش ممكن. وإلا كيف تُفسّر كل هذه الصور الحربية ووقاحة أصحابها من خارج المؤسسة العسكرية في شهر السلاح علانيةً؟

المسلحون الافتراضيون جاهزون للخروج من الشاشات إلى الواقع

ألم يرَ أحد منهم صورة تلك البوسطة الشهيرة؟ ألم يمروا أكثر من مئة مرة، على الأقل، بجانب خيمة المفقودين الثكلى في وسط المدينة؟ أليس في منازل معظمهم صور بالأبيض والأسود لضحايا خطوط التماس والقصف العشوائي والقناصة؟ هل يعرفون أن هذا السلاح الذي يحملونه ليس زينةً ولا يصنع رجالاً؟ وهل أخبرهم أحد أن الذين كانو يضغطون على الزناد هم الذين ماتوا فيما ارتدى «الكبار» ربطات العنق؟ هل قرأوا كتباً عن تاريخ الحرب الأهلية غير تلك التي أعدّتها أحزابهم وطوائفهم؟ ثم من قال إن الرشاش الحربي هو مصدر الفحولة الشرقية الفارغة؟ لماذا يعتقدون أنهم أقوياء بتلك القطع المعدنية التي يزهون بها؟ متى يفرغون من هذا اللهو القاتل وينتهي التشجيع العلني على الموت؟
لم يجب أحد من حملة السلاح. البعض لا يعرف الإجابة والبعض لا يريد أن يعرف. معظم الشباب لم يتصالحوا مع آثام الآباء بعد، والحرب لن تبدأ لأنها لم تنتهِ في نفوسهم. الحرب متنقلة: حاضرة ومستعدة دائماً للتوثب على الجميع دفعةً واحدة. الحرب بحاجةٍ إلى رصاصة واحدة لتنهش الجميع.


الجيش يراقب... لا يراقب

أشار مسؤول أمني رفيع في الجيش اللبناني إلى أن مراقبة أصحاب الصور مع الأسلحة على المواقع الإلكترونية هو شأن قضائي في الدرجة الأولى، والجيش لا يتحرك لملاحقة حالات مشابهة إلا بقرار من السلطة القضائية. وتناقض هذه المعلومات النظرية الشائعة اجتماعياً، إذ يؤمن معظم الذين يضعون صورهم مع الأسلحة الحربية (ممن تحدثوا إلى «الأخبار») بأن استخبارات الجيش تراقب صفحاتهم لكنهم «لا يأبهون بذلك»!