شهد ضابط إيرلندي نموذجين مختلفين من التعامل مع تقريري تقصّي حقائق في جريمتي اغتيال رئيسين سابقين للوزراء في لبنان وباكستان. فما هو الفرق في الاستقبال الرسمي للتقريرين اللذين شارك في صياغتهما؟
عمر نشّابة
جريمة اغتيال رئيسة الحكومة الباكستانية السابقة بينظير بوتو (27 كانون الأول 2007) وقعت في روالبندي بعد نحو ثلاث سنوات من وقوع جريمة اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري في بيروت (14 شباط 2005). بيتر فيتزجرالد، نائب مفوض الشرطة الإيرلندية السابق، قام بدور أساسي في التحقيق في الجريمتين الإرهابيتين، إذ ترأّس لجنة تقصي الحقائق في قضية الحريري وهو اليوم عضو في لجنة تقصّي الحقائق في قضية بوتو. ومن المفترض أن يصدر غداً تقرير لجنة تقصي الحقائق في قضية بوتو التي يرأسها السفير التشيلي لدى الأمم المتحدة هيرالدو مونيوز. وكان مسؤولون أمميون وباكستانيون قد رجّحوا أن يتضمّن التقرير ملاحظات شبيهة بالملاحظات التي كان قد ذكرها فيتزجيرالد في تقريره الذي رفعه من بيروت إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 24 آذار 2005. وكان تقرير فيتزجيرالد قد وجّه انتقادات لاذعة إلى المؤسسات الأمنية والقضائية اللبنانية، واتهم بعضها بالتلاعب بمسرح الجريمة.
لكن خلافاً لكيفية التعامل مع تقرير فيتزجيرالد في بيروت، والترحيب الذي حظي به من قبل البعض، طلب الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري (زوج الراحلة بينظير بوتو) من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تأجيل صدور تقرير لجنة تقصّي الحقائق. ووجّه انتقادات إلى الأمم المتّحدة، عبر المتحدّث باسمه فرحةُ الله ببار، مطالباً بتوسّع التحقيق ليشمل رئيسي دولتين لم يحددهما. وقال ببار إن هذين الرئيسين (يعتقد أن أحدهما الرئيس الأفغاني حميد كرزاي) كانا قد حذّرا بوتو من احتمال تعرّضها للاغتيال. وأضاف ببار أن التحقيق مع الرئيسين «يضيف من صدقيّة تقرير لجنة تقصي الحقائق».
طلب الرئيس زرداري (زوج بوتو) تأجيل إطلاق تقرير لجنة تقصّي الحقائق
والمفارقة تكمن في أنه رغم استمرار تحقيقات لجنة تقصي الحقائق في جريمة اغتيال بوتو لمدة تسعة أشهر، لم تدم تحقيقات اللجنة في جريمة اغتيال الحريري أكثر من شهر ونصف، ولم تكتف السلطات الباكستانية بعملها. ويدلّ ذلك على أنه خلافاً لتعامل السلطات الرسمية اللبنانية مع اللجنة الدولية، راقبت السلطات الباكستانية منهجية عمل مونيوز وفيتزجيرالد وإجراءات التحقيق التي اعتمدوها وتبيّن لها أنها غير كافية. وفي لبنان تلقى رئيس الجمهورية آنذاك العماد إميل لحود، يوم صدور تقرير فيتزجيرالد في 24 آذار 2005 اتصالاً هاتفياً من الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، أطلعه خلاله على الخطوط العريضة لتقرير لجنة تقصّي الحقائق، وطلب لحود من أنان «إجراء ما يلزم لكشف حقيقة جريمة الاغتيال في أسرع وقت ممكن، شاكراً إياه للاهتمام الذي يبديه للوضع في لبنان». ولم تصدر الملاحظات إلا في اليوم التالي (25 آذار 200) حيث عقد وزير الخارجية والمغتربين محمود حمود ووزير العدل القاضي عدنان عضوم في الحكومة المستقيلة مؤتمراً صحافياً مشتركاً اعتبرا فيه أن التقرير «وصفي من الجهة الأمنية ولا يمكن اعتباره تقريراً قضائياً» وأن «لا علاقة لحادثة الاغتيال النكراء بالمناخ السياسي الذي تحدث عنه التقرير»، ووصف وزير العدل التقرير بـ«الوثيقة البوليسية الاستخباراتية». وأضاف «لقد حاولوا بجميع الطرق أن يدخلوا السياسي بالقضائي وهذا خطير جداً جداً». بينما تنبه المسؤولون الباكستانيون لذلك قبل حصوله أو على الأقل اتخذوا الاحتياطات اللازمة وقدّموا توصيات مهنية محدّدة تتعلّق بالتحقيق مع أشخاص محدّدين.
مقرّبون من الرئيس الباكستاني زرداري، حسب مقال ورد في مجلة «فورِن بوليسي» في 5 نيسان الفائت، رأوا أن مطالبته بالتوسّع في التحقيق وتأجيل إطلاق التقرير نابعان من حرصه على كشف حقيقة من اغتال زوجته وهو حريص على إبعاد السياسة عن التحقيق. كما يرى زرداري أن إجراءات حماية بوتو لم تكن كافية، علماً بأنها تعرّضت لمحاولة اغتيال بواسطة عبوة ناسفة قبل نحو شهرين من وقوع انفجار روالبندي القاتل.


التحقيق مع رايس

إن عدم استماع لجنة تقصي الحقائق إلى وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس كان من بين الانتقادات التي وجّّهها الإعلام الباكستاني إلى اللجنة الدولية. إذ يشتبه في أن رايس كانت من بين الذين حذّروا بوتو من خطر التعرّض لحياتها.
وأكد مسؤول أممي رفيع أن لجنة تقصي الحقائق في قضية اغتيال بوتو كانت قد طلبت الاستماع إلى إفادة رايس، لكنها رفضت. ولا تتمتع اللجنة بالصلاحيات القانونية لإجبار أي أحد على التعاون، فكيف إذا كان المقصود وزيرة سابقة للخارجية الأميركية. واكتفت المتحدثة باسم رايس كارولين بيسويك بالقول إن «رايس لا تجري مقابلات خلال المرحلة الحالية». ويذكر أن رئيس لجنة تقصي الحقائق مونيوز، بحسب مجلة «فورن بوليسي»، كان زميل رايس في جامعة دنفر (كولورادو) أثناء الدراسة، وأن أستاذهما كان الدبلوماسي التشيكي السابق جوزف كوربل، وهو والد مدلين أولبرايت التي تولّت وزارة الخارجية خلال ولاية الرئيس بيل كلينتون.