جديدة المتن ــ أليسار كرمرفعت يدها النّحيلة لتزيل العقدة بين حاجبيها، فركت بها عينها اللّوزية الصّغيرة قبل أن تمررها على أنفها وتمسح بشرتها السّمراء تماماً كبشرة والدتها. فاتن أخذت كل شيء عن أمّها إلا جنسيتها. من ملامح الوجه وشكل القامة إلى بحّة الصّوت ورشاقة التّعبير. كل شيء فيها يذكّر بسميرة. «إما أن تنصفنا الدّولة، وإما أن تدمّر مستقبلنا. أنا لم أستطع متابعة تحصيلي العلمي لأن أمي لم تعد قادرة على تسديد المبالغ الباهظة للإقامة والأقساط الجامعية المضاعفة باعتبار أننا أجانب. لا أستطيع إيجاد عمل من دون أن أصبح تحت رحمة كفيل يتحكّم بي. لا أتمتّع بضمان صحي وأشعر بأن حياتي كلها غلط بغلط». هكذا تعبّر فاتن أحمد، ابنة سميرة سويدان، عن سخطها. وقفت إلى جانب أمّها قبل دخولها قاعة المحكمة وتحدّثت عنها وعن «نضالها» أمام وسائل الإعلام المتابِعة للحدث. تستقوي بها وتمدّها بالقوّة وتجيب كلّما سُئلت «أنا لبنانية».
لم تكن سميرة سويدان وحدها أمس، تماماً كما أرادت حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي»، المنظّمة للتحرّك أمام قصر العدل في جديدة المتن. هناك وقفت سيّدات وشابات وأمّهات يرفضن أن يكون الضّعف صفتهن وأن يعاملن كـ«مواطن درجة ثانية». فالمرأة في لبنان «تعطي الحياة ولا تعطي الجنسية»، إذ يُعدّ لبنانياً من ولد من «أب» لبناني لا من «أمّ» لبنانية، كما نص القانون الصادر عام 1925.
على الدرج المؤدي إلى باحة القصر، نساء حملن هويّاتهن اللبنانية التي لم ولن يحملها أبناؤهن إذا «أخطأن» وتزوّجن بأجنبي. رفعن الشعارات المطالبة بأبسط حقوقهن، صرخن مراراً وتكراراً: «بدنا بدنا الجنسية هيدي حقوقنا الوطنية»، «قضاء أنصِف سميرة». على كل درجة سيّدة ولكلّ سيدة حكاية. الدكتورة عاتِكة حامد لبنانية متزوجة بطبيب هندي تسأل بغضب: «قد يرحّلون أولادنا ويبعدونهم عن حضننا إذا عجزنا عن توفير بدل الإقامات، فلماذا لا يكون لنا الحق بمنحهم الجنسية اللبنانية؟ أليس من الأجدى استثمار طاقاتهم الفكرية بدل تهديدهم بالسّلخ عن بيئتهم». أمامها تقف ماري، سويسرية متزوجة لبنانياً، بالكاد تفهم ما يُحكى باللغة العربية، لكنها تؤيّده في كل الأحوال «لم أقلق بشأن إعطاء ابنتي الجنسيّة السويسرية، فهذا بديهي عندنا، غير أنني أريد لابنتي أن تنقل هويتها اللبنانية لأحفادي. هذا حق». ليس بعيداً عنهما، تُجيل سيدة نظرها على اللافتات المرفوعة في كل الاتجاهات «جنسيتي حق لي ولأسرتي ورح آخدها»، «نحن الوطن، والنساء خطّه الأحمر»، «سميرة ليست وحدها»... تتحدّث بنبرة هادئة ورصينة «أختي تزوّجت فرنسياً، ثم تطلقت منه. تعيش مع أبنائها في لبنان. عندما أراد ابنها اختيار تخصصه الجامعي استبعد دراسة الطب لأنه لن يستطيع الانضمام إلى النقابة وسيتحمل تكاليف باهظة للدراسة. هو اليوم محبط ولم يعد يشعر بالانتماء إلى أي وطن».
لم يقتصر دعم القضية على السّيدات. شبّان كثيرون حضروا إيماناً منهم بالمساواة بين المرأة والرجل في حق منح الجنسية. سليم، لبناني ناشط في المجتمع المدني، رأى أن «دعم كل لبنانية للحصول على حقها الإنساني هو واجب، ولم يعد أحد يصدّق الحجج الواهية التي تتلطّى خلف الخوف من التّوطين». فرنسيّون وأميركيون حضروا أيضاً، منهم من أتى للتضامن مع زوجته اللبنانية، ومنهم من أتى دعماً للقضية من دون أن يكون معنياً مباشرة. كلّهم كانوا هناك للإحاطة بسميرة سويدان والتأكيد لها أن قضيتها أصبحت قضيتهم أيضاً. مع ذلك، لم تتردّد سميرة بالإعراب لـ«الأخبار» عن مخاوفها وقلقها. «الدّولة ما عندها حسن نية، وإلا كانت عملت شي منيح للمرأة اللبنانية»، هكذا قالت بنبرة واثقة قبل أن تفتح يديها وترفعهما نحو السّماء «آمل ألا تظلم الدولة اللبنانية أولادي وأن أستعيد حقي، سأثق بالقضاء والعدالة».


تأجيل الحكم إلى 18 أيار

عند الحادية عشرة من قبل ظهر أمس أعادت الدّولة اللّبنانية سميرة سويدان إلى قوس المحكمة للنّظر في طلب استئناف الحكم القضائي الذي أعطاها حق منح جنسيتها اللبنانية لأولادها. سارع المعتصمون إلى قاعة المحكمة. فوجئت بهم رئيسة محكمة الاستئناف المدنية القاضية ماري دنيز المعوشي وسألت: «ليش الناس كتار اليوم؟»، أجابتها حياة مرشاد من حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي»: «نحن هنا لمطالبة القضاء بإنصاف سميرة». مثلت أمام نساء ثلاث هن القاضية المعوشي والمستشارتان يولا سليلاتي وجنان حاطوم. أصغين إلى مرافعة المحامية سهى إسماعيل التي قدّمتها «باسم الشعب اللبناني وحقوق الإنسان وحرياته الأساسية وباسم الدّستور والمرأة اللبنانية» لعلّ الحكم الذي سيصدر في 18 أيار المقبل يأتي بالعدالة من طريق القضاء بعدما فشلت السلطتان التنفيذية والتشريعية بإحداث أي تغيير قانوني.