ماذا لو تركنا نفاياتنا تتراكم في الملعب لمدة أسبوع كامل؟». تحت هذا العنوان، خاض تلامذة مدرسة «الليسيه الفرنسية» في حبوش (النبطية) تجربة بيئية مختلفة، تقضي بترك النفايات تتراكم في مدرستهم، بهدف جمعها لاحقاً واستنتاج الخلاصات في البيئة المصغّرة، ثم في المحيط الأوسع.
كامل جابر
المشروع الذي بدأ بمبادرة من التلامذة، سرعان ما استجابت له الإدارة، «لعل ذلك يسهم في التخفيف عن البيئة المحيطة التي تعني لنا الكثير. فإسهامنا في تعزيز الحملات الآيلة إلى الحد من رمي النفايات عشوائياً، هو مشاركة في صنع جيل واع يهمه الحفاظ على محيطه البيئي» كما تقول مديرة المدرسة، ماري غوسيم. هكذا، تألّفت من تلامذة المرحلة الثانوية لجنة متابعة، غايتها الإسهام في إنجاح المشروع، والتنسيق بين الإدارة والتلامذة. ترى ميراي محمد أن دور اللجنة التي تشارك فيها مع رفيقاتها «توجيهية، لكنّ دورنا الأساس هو المشاركة في مختلف النشاطات البيئية».
تودّ داليا صباح «أن يفهم الناس أنه يجب عليهم عدم تلويث البيئة، وأن الأرض في خطر. كان على التلامذة أن يدركوا أن ملعبهم يفترض أن يبقى نظيفاً، ومن الملعب تعمّم الفكرة نحو النطاق الأوسع. ونجاح مهمتنا يجب أن يُواكَب بمساعدة الأهالي».
كانت اهتمامات ريم حطيط البيئية «عالمية، وكنت أتابع ما يحصل في فرنسا. قلت في نفسي لنجرّب البيئة المحيطة، على المستوى المحلي، في مواجهة العقلية اللبنانية التي تقول: اعمل منيح وكبّ بالبحر. نسمع دائماً كلاماً موجّهاً إلى وزير البيئة أو مجلس النواب، لكن لا أحد يريد أن يبدأ بالعمل. من هنا أشعر بأهمية تجربتنا في المدرسة، وإذا حذت كل مدرسة حذونا، نستطيع أن نصل إلى خلاصات جيدة».
تضيف: «لا يكفي ما نفعله نحن. يجب على الدولة أن تتخذ قرارات كبيرة في هذا الخصوص، وأن تكرّس من ميزانيتها لحماية البيئة، بدل الأموال الطائلة التي تصرف في جميع الاتجاهات».
لم تتجاوز مدة تجربة إهمال النفايات في الملعب أسبوعاً، ويفترض أن تنتهي صباح اليوم بتوزيع جوائز على التلامذة. «نظّمنا مسابقة رسم في الصفوف الابتدائية، وسيختار تلامذة المرحلة الثانوية الثلاثة الأوائل من كل صف أو مرحلة، والأول عن كل مرحلة ستكون جائزته شجرة حمضيات يزرعها في حديقة المدرسة، وتحمل اسمه»، تقول غوسيم.
وقد تجاوب التلامذة مع التجربة، وأعدّوا نشاطات مختلفة في هذا السياق. فتلامذة الصف الثاني الابتدائي صنعوا أكياساً من ورق، سيسلّمونها لآبائهم، لكي يضعوها في سياراتهم، كذلك صنعوا أشغالاً يدوية من المواد المدوّرة والمجموعة من النفايات المدرسية، كالبلاستيك والكرتون وغيرهما. وخلال اليوم البيئي الموسّع المقرر في أيار المقبل، ستُعرض هذه الأشغال وخلاصات النشاطات التي نفذت.
معلمة اللغة الإنكليزية المشرفة على المشروع، فراديريك آرشمبو، لفتت إلى أنّ «من المبكر الحكم على المشروع؛ لكنّ التلامذة أرادوا أن يبدأوا بالخطوة الأولى. وقد لاحظنا عبر المتابعة أن الأصغر سناً منهم هم الأكثر حرصاً على عدم توسيخ بيئتهم، ومن عندهم سيبدأ التغيير، لكن ذلك يحتاج إلى وقت»، مؤكدة «أن فكرة ترك النفايات في الملعب لم تكن سهلة، فقد سبّب تراكم الأوساخ في الملعب حالة من التذمر بين التلامذة. الفكرة في إحداث صدمة عندهم نجحت». في هذا الإطار، أشادت المشرفة بمبادرة فردية قام بها تلامذة الصف الثانوي الأول، وعمّموها على التلامذة الصغار، إذ كتبوا لهم مواد وصاغوها على شكل قصص مبسّطة، وأعدّوا لهم برامج على الكمبيوتر تصبّ في الشأن البيئي، كذلك أعدّوا استطلاعاً للرأي شمل تلامذة الصف السادس حتى تلامذة الصفوف الثانوية النهائية، تضمّن أسئلة بيئية، وقد أجمعت الإجابات على «أنّ لدينا بيئة رائعة، لكننا نهملها ولا نحميها».


العلم في الصغر كالنقش في الحجر

تحمّستُ للمشروع لأنه كانت لدي معلومات سابقة، وكنت لا أبالي، مثلي مثل غيري، بما يحصل حولي، آخر همّي ما يحصل جرّاء الرمي العشوائي للنفايات. الآن لدي حماسة كبيرة، إذ شاركت في البرلمان البيئي في النبطية، وكانت المشاركة نظرية. لكن بتجربتنا هنا في مدرستنا، شعرنا عملياً بأهمية البيئة. لاحظنا استجابة الأولاد الصغار، إذ إن الأمل بالكبار بات مقطوعاً. هم تعوّدوا أصلاً رمي النفايات، صار الموضوع تلقائياً لديهم، كأنه في الجينات»، تقول نور إسماعيل، وتضيف «نسعى إلى أن يصل صوتنا من خلال هذه التجربة إلى خارج الملعب والمدرسة، إلى المدينة، النبطية والجوار، ثم إلى المنطقة بأكملها. ونتمنى أن يصل إلى كل اللبنانيين، انطلاقاً من تلامذة لبنان وطلابه».