صيدا ــ خالد الغربييمتدّ ليل الساهرين على الكورنيش البحري في صيدا حتى طلوع الفجر. يواظب هؤلاء على جلسات المسامرة تحت ضوء القمر حتى لو كان محاصراً بالغيوم، وتحديداً عند منطقة «المسبح الشعبي». تجذب هذه النقطة بالذات الشباب والصبايا، لكون المكان ملاصقاً لشاطئ البحر. هنا، يرسم أحمد الحاج «صورة سُريالية» عن الكورنيش، فيقول: «يساعد المشهد الليلي الخلّاب، وانعكاس أشعة القمر على مياه البحر في حلحلة الموضوعات». لا يتردّد في الإفصاح عن سبب مجيئه إلى الكورنيش، «هي جلسة مصارحة لمعالجة المشاكل المندلعة منذ فترة مع خطيبته، لعلّ هذه الأجواء الرومانسية تصلح ما أفسده الأهل». يسارع أحمد إلى التأكيد أنّ «الحشمة ومراعاة الذوق العام أمران يلتزم بهما جميع روّاد الكورنيش، في ما بدا أنه قانون الكورنيش». تقصد بعض عائلات صيدا وقرى المحيط الكورنيش، فيصطحب بعضها عدّةَ الشغل اللازمة لإحياء السهرة. «شوية جبنة ولبنة وزيتون ومخلوطة»، تقول ابتسام حرب، التي حضرت وأفراد أسرتها إلى منطقة المسبح الشعبي، «لكنّ الرياح خذلتنا فانكفأنا إلى داخل السيارة مع النرجيلة». محمد عفارة، أحد الروّاد الدائمين، أطلق على المكان صفة «دولة الكورنيش»، فهنا تتنوع غايات الزوّار، منهم من يرى في المكان متنفّساً وملتقى لأعز الحبايب، ومنهم من يبسط سفرة دائمة ونراجيل. وهناك من يتريّض أو يرمي صنانير القصب لاصطياد الأسماك.
وعلى عكس الكورنيش القديم، الذي تنتشر فيه بسطات ومقاه شعبية وعربات لبيع عرانيس الذرة وغزل البنات، فإن كورنيش المسبح الشعبي خال من هذه البسطات، لذا فإن من يفترشه من روّاد يجلب احتياجاته معه. بدا لافتاً التعاون بين مرتادي الكورنيش، فتطلب فدوى حجازي من إحدى السيدات على الكورنيش السماح لها باستخدام بابور الكاز الخاص بالسيدة «لكي ألقّم ركوة القهوة». كذلك باتت العائلات التي تحضر إلى الكورنيش تصطحب معها أجهزة التلفاز ليس لمتابعة النشرات الإخبارية التي «سئمتها»، بل لمتابعة المسلسلات، ولا سيّما التركية منها، وهذا ما يضيف وظيفة جديدة للمكان: «عرض تلفزيوني مفتوح ومجاني»، تقول منى حمزة.