رامي زريقلا يعني الاختفاء المفاجئ للحديث عن ترسّبات المبيدات في المنتجات الغذائية أن المشكلة زالت عن الوجود. فالشركات لا تزال تدفع المزارع إلى استعمالات مكثفة للمبيدات، والإرشاد الزراعي الحكومي لا يزال غائباً ومعه فرق «كومندوس» حماية المستهلك. كل ما هنالك أن الخبر فقد إثارته واستبدل بأمور أهم مثل كرة القدم الطائفية. قد يكون الوقت حان لتقييم هادئ: يرتبط الاستعمال الكثيف للمبيدات باستبدال النظم التقليدية للإنتاج الغذائي بأخرى رأسمالية مكثفة. تعتبر هذه النظم الموارد الطبيعية وحتى البشر مجرّد وسائل إنتاج مجانية يمكن استهلاكها واستبدالها، بداعي رفع «إنتاجية الزراعة الحديثة». ويمثّل استخدام المبيدات حجر زاوية هذه المقاربة لأن أثره البيئي والصحي غير مرئي. فالمنتج الملوّث لا تظهر عليه علامات التلوث، لا بل قد يكون أكثر جاذبية للمستهلك، ما يدفع المنتجين إلى استعمال المبيدات لتحسين شكل المنتج و«كسب السوق». ومن ناحية أخرى، لا بد من الالتفات إلى التفاوت الجذري في طبيعة التوزيع الجغرافي والطبقي للخطر الناجم عن ترسّبات المبيدات، والذي لم نسمع عنه إلا عندما هدّد صحة سكان المدن الأغنياء القادرين على رفع أصواتهم والاحتجاج. فالمشكلة الأساسية تقع في الريف، حيث يتعرّض العمال الزراعيون يومياً لنسب مضاعفة من السموم فيما هم لا يتمتعون بأي غطاء صحي أو اجتماعي، بسبب ضرورة «خفض كلفة الإنتاج». على الحكومة أن تعي تماماً أن تبنّي الخطاب النيوليبرالي المرتكز على شعارات قد تبدو بديهية للوهلة الأولى مثل «رفع الإنتاجية» و«كسب السوق» و«خفض كلفة الإنتاج»، من دون إرساء قواعد عدالة اجتماعية، لن تحلّ مشكلة المبيدات بل ستؤدي فقط إلى المزيد من الظلم الاجتماعي والبيئي.