محاضرة زاهي حواس في قصر الأونسكو كشفت للجمهور اللبناني وجهاً آخر من وجوه العالِم المصري، فهذه الشخصية التي تظهر دائماً في وسائل الإعلام، مروّجة للاكتشافات الأثرية مأخوذة بإبراز نفسها وصورتها
جوان فرشخ بجالي
«زاهي حواس في لبنان» كان عنوان المحاضرة التي دعت إليها الجامعة الأميركية للتكنولوجيا في قصر الأونسكو في بداية الأسبوع الجاري. التحضير للمحاضرة والترويج لها كانا على أساس أنها حدث إعلامي ضخم، جنّدت له الجامعة نفسها. فها هي أقراص الـD.V.D والكتيّبات عن زاهي حواس توزع على المشاركين. وفي تمام الساعة الثامنة، بدأ المقدمون للحدث يتوافدون إلى المنصة للمديح بالمحاضر المصري. مديح ومشاكل تقنية دامت ساعة، والحضور يتأفف، وينتظر لعل الجامعة تنتهي من عملية الترويج لنفسها. وما إن بدأ المدير العام للمجلس الأعلى للآثار المصرية بالتكلم حتى طرح سؤال وجيه عن مضمون المحاضرة: الاكتشافات الأثرية التي تتوالى في مصر أم شخصية زاهي حواس المثيرة للجدل؟ فهو يخلط في آن واحد أخبار آخر الاكتشافات وخبرته الشخصية والتقاءه بالمشاهير...
واضح ومؤكد أن تجربة زاهي حواس في الإدارة المصرية كانت مثمرة جداً، وخاصة من ناحية الأبحاث. فقد بات لمصر مختبرات يديرها علماء مصريون لفحص الحمض النووي للمومياءات. وها هي نتائج تلك الأبحاث تعيد كتابة تاريخ مصر وتلغي بعضاً من النظريات التاريخية عن حياة بعض الفراعنة القدماء وموتهم. «فتوت عنخ آمون مثلاً لم يقتل ولم يمت بحادث صيد، بل كان مريضاً وعنده تشوّه خلقي في القدم. فهذا الفرعون كان يسير على عكازة. «الولد الصغير دا، كان عيان»، كما يقول زاهي حواس. ويحاول حتى شرح سبب هذا التشوه الذي يعيده إلى زواج والده الفرعون، أخناتون، من شقيقته. هنا، تجدر الإشارة إلى أن الأبحاث التي يقود زاهي حواس فريقها العلمي قد أتمت أخيراً تركيب شجرة العائلة الفرعونية لتوت عنخ آمون وإزالة اللغط القائم حولها. ودراسة الحمض النووي أتاحت للفريق تثبيت هويّة قسم من المومياءات الموضوعة في المخازن، التي كان قد عُثر عليها من دون أسمائها.
اكتشافات مهمة جداً وتوضع عنها كتب ومجلدات، لكنها لا تشبع غليل زاهي حواس. فها هو يعود إلى وادي الملوك ويبحث عن المقبرة الفرعونية رقم 64! ويقول: «إنها الوادي التي دفن فيها أهم فراعنة مصر ولم يكتشف قبر أي واحد منهم عالم مصري. لا بد لنا اليوم من أن نعثر على قبر جديد، غير معروف. لذا، بدأت العمل مع فريق على البحث داخل مقبرة كان أحد الحراس قبل 35 عاماً قد أخبرني أن في آخرها ممراً. ويبدأ حواس بعرض صور للمقبرة التي يجري التنقيب في داخلها الآن. ويقول إنهم عثروا «على ممر يُدخلهم في الجبل ويقودهم تحت مستوى الأرض، وبعد الكشف ظهر درج من 50 درجة، ومن بعده ممر ثانٍ أضيق، والدخول إليه أصعب. وحواس، رغم تقدمه في السن، لا يخاف أن ينزل في الممرات الضيّقة حتى عمق 500 متر من سطح الأرض! ويقول حواس إنه أصبح شبه متأكد من أن هناك مقبرة ثانية داخل المقبرة الأولى. ويقول إن أياماً قليلة تفصل عن الحدث الذي سيقيم الدنيا ويتصدّر الصفحات الأولى في الصحف.



الصحف، والتلفزيون... ووسائل الإعلام موضوع يتعامل معه حواس من باب «مشاهير هذا العالم». فهو لا يتأخر مثلاً عن القول في محاضرته إن شهرته باتت تزعجه في تحركاته وتنقلاته، فالناس يستوقفونه في الطريق وفي المواقع ليطلبوا صورة. ولكن واضح أنه يعشق ذلك. فهو يتكلم عن كبرى المحطات الأميركية مثل الـDiscovery والـNational Geographic باعتبارها صديقة، ولا يتأخر في إبراز صوره. ومع هذا يقول إن انشغالاته الكثيرة حالت دون وجوده في الصور على نحو دائم، فبحثت الشركة عن شبيه له يؤدي الأدوار. والأكثر غرابة هو أن هذا «العالِم» لا يتردد في إبراز صوره الشخصية مع رؤساء الجمهوريات ومشاهير السينما الذين يزورون مصر، في محاضراته. ويروي القصص عن الأحاديث معهم، فها هو يعطي لورا (أي لورا بوش) إحدى قبعاته لتوصلها إلى زوجها المكتئب في بيته! وها هو مع ديانا السيدة المفضلة لديه! ثم يدعو بيل غايتس إلى الغداء... أحاديث وأخبار لا تجد لها مكاناً في محاضرة علمية، لكن زاهي حواس يخلط المكتشفات الأثرية بالتغطيات الإعلامية والعرض الشخصي. فها هو يتكلم عن قبعته التي تجلب له الحظ، إلى درجة أنه يسوّق بيعها في محاضراته! ولا يتأخر في القول إن الأولاد يتهافتون على شرائها ويكتبون له الرسائل، قائلين إنهم يريدون أن يصبحوا زاهي حواس!
وبالرغم من ذلك، يبدو أن هذه الشخصيته المثيرة للجدل والعاشقة للإعلام قد خدمت مصر. فالاكتشافات الأثرية المتتالية تبقي عالم الآثار المصرية في الأضواء. وتقريباً، كل شهر تتصدر المجلات صورة أحد الفراعنة أو المومياءات، وهذا يدعم قطاع السياحة مباشرة. وقد بدّل عمله لإعادة القطع المسروقة إلى مصر تعامل المتاحف الكبرى مع السلطة في بلاده.
لكن تعامل حواس مع عالم الآثار وإبرازه كما لو أنه طريق طويل من المغامرات والاكتشافات المثيرة على طريقة إنديانا جونز يضيع من الاختصاص كل جوهره العلمي، فتبرز الأمور وكأن علم الآثار لا يتمّ بالتنقيبات العلمية الدقيقة وبالدراسات الموسّعة للقطع المكتشفة... زاهي حوس بحماسته الزائدة يعيد عالم الآثار إلى القرون الماضية.