مرض السرطان ليس جسديًّا فقط. فالمصاب يختبر آلاماً أخرى أقسى من مجرد الوجع: تقبل فكرة المرض. لكل هذه الأسباب، أفرد مركز سرطان الأطفال قسماً خاصاً أسماه العلاج النفسي. ومهمته؟ العمل على إقناع المريض بمرضه
راجانا حمية
بدأ المشوار. ثلاث سنوات وربما أكثر، لن يكون الجسد وحده ما يتألم. قد يكون هذا الألم أهونها، إذا ما قورن بالآخر النفسي الذي يعانيه الطفل المصاب بالسرطان خلال مسيرته الطويلة. هنا، لا يعود الألم، بكفّتيه، محمولاً. بالقدر الذي يتضاءل فيه الشعور بالتحسن، يتفاقم المرض. الوصول إلى هنا يعني «دون شكّ فقدان القدرة على التحسن، وبالتالي الشفاء»، تقول المعالجة النفسية في مركز سرطان الأطفال منال القزي. لذلك، أفرد المركز قسماً في المركز للعلاج النفسي. يرافق هذا القسم الطفل وعائلته من لحظة اكتشاف المرض وحتى النهاية، مهما تكن: العودة إلى الحياة أو خلاف ذلك. أما الهدف الأساس، فهو بحسب القزي «مرافقة الطفل والعائلة لتخفيف وطأة المرض من خلال السيطرة على النوبات العصبية، والمحافظة على نوعية حياة طبيعية». هكذا، يصبح تساقط شعره طبيعياً والخوف أيضاً. في كل لحظة من تلك اللحظات، ستكون القزي حاضرة، إلى جانب الفريق الطبي المكلف «عيش هذه اللحظات أيضاً»، تضيف القزي. أولى الخطوات إذاً، هي إخبار الطفل. أما الطريقة؟ فتشير القزي إلى أنها تعتمد على عمره ووعيه لطبيعة مرضه، فإخبار «ابن السنوات الثماني أخف وطأة ممن اقترب من المراهقة، وأخف وطأة من ابن العشرين». لذلك، يحتم هذا الاختلاف في طريقة الإخبار اختلافاً في طريقة المعالجة النفسية. على أن يكون القاسم المشترك بين الطرق كلها، هو «محاولة بناء علاقة صداقة مع الطفل وعائلته والعمل على تمرير الأمور الإيجابية للحياة الجديدة».
هكذا، يُصبح العلاج بالألعاب، الذي تتبعه القزي لأطفال السنوات الثلاث، علاجاً بالقصص لأطفال الثماني سنوات. فبين صفر و3 سنوات، لا يعرف الطفل ماذا يعني مستشفى وماذا يعني السرطان. يعرف أن «الحقنة» تؤلم فقط. لا شيء غيره. ولتخفيف هذا الألم، تحاول القزي «تحويل الأحاسيس من سلبي إلى إيجابي، كأن نقوم بتدليك مكان الألم، أو اللعب معه بأي شيء كي لا تعود ذاكرته إلى غرفة الطبيب».
في هذا العمر، لا شيء يوحي بالمرض سوى الحقنة ربما، أما ما بين الأربع سنوات والسبع، فيصبح لهذا المرض اسم: الوجع. تفسّر القزي لهذا الطفل أنه «رح يكون عنّا وجع». تحكي له هذا الوجع بطريقة قصصية. فإذا كان مصاباً بسرطان الدم مثلاً، تقول له «في عنا جيوش حمر وجيوش بيض (في إشارة إلى كريات الدم). الجيوش البيض عم يكونوا كتير كتار بجسمنا، ونحنا بدنا ناخد شي

طريقة إخبار الطفل بمرضه تنعكس على طريقة معالجته نفسياً
نخففهم». ثمة طريقة أخرى لإخبار الطفل بمرضه، فتصبح الجيوش «لاعبين في مباراة كرة القدم». كلما تغلّب الفريق الأحمر على الآخر الأبيض نصبح أقرب للشفاء. في هذه المرحلة أيضاً، يطبّق الأطفال، بإشراف القزي والممرضات، العلاجات التي تلقوها على لعبة «الباربي». يستعملون الأدوات نفسها التي استعملها الطبيب في جسدهم، فتصبح الحقنة مجرد أداة، لا توحي بالخوف أبداً.
لئن كان العلاج ينتهي بمجرّد ممارسة اللهو في المرحلتين العمريتين الأولى والثانية، إلا أنها تصبح أكثر صعوبة خلال المرحلة ما بين 7 و13 عاماً. هنا، تصبح طريقة الإقناع صعبة، وخصوصاً أن الطفل يصير أكثر وعياً لمرضه. خلال تلك المرحلة، تتبع القزي طريقة «الكلام على أساس علمي، كأن أشرح ما يعني التقيؤ خلال مرحلة العلاج الكيميائي وتساقط الشعر».
في هذه المرحلة، قد تصل المعالجة النفسية إلى حائط مسدود، وخصوصاً إذا «كان المصاب مراهقاً». تتضاعف آلامه، وتكثر التساؤلات التي لا جواب لها: «وبعدين؟».
حتى إن البعض منهم، قد يصل إلى مرحلة «لا تعود البوندانا (أي عصبة الرأس) هي الحل».
لكن، «كله كوم والمصابون من عمر 13 إلى 20 كوم تاني». هنا، لا يعود إقناع المراهق هو الشغل الشاغل للقزي، إذ إنها تواجه «عملاً أكثر صعوبة يتمثل بإقناع الأهل بأن ابنهم مريض وإقناعهم بضرورة إخباره بحقيقة مرضه».
وإذا ما تقبّل الأهل «إيجاباً، يصبح من السهل على ابنهم تقبل مرضه». والعكس صحيح.