يخضع سجن النبطية لأعمال التأهيل، لكنّ مخطط التأهيل المعتمد والتحسينات الكثيرة لن تنهي المعاناة الرئيسة لنزلاء هذا السجن، والناجمة عن موقعه تحت الأرض بمحاذاة موقف آليات قوى الأمن الداخلي...
سوزان هاشم
ذهل المدعي العام الاستئنافي في النبطية القاضي عفيف الحكيم، أثناء زيارة قام بها أخيراً إلى سجن النبطية. ذهوله مردّه إلى وضع هذا السجن، الذي وصفه بالـ«زريبة»! مبدياً انزعاجه الشديد من الظروف التي يعيشها السجناء داخله، وذلك بحسب ما أفاد «الأخبار» أحد القائمين على السجن. أتت هذه الزيارة قبيل البدء بأعمال تأهيل السجن وتوسيعه، التي تقوم بها حالياً منظمة أنترسوس الإيطالية بتمويل من السفارة الإيطالية.
سجن النبطية يقع في مجمع قوى الأمن الداخلي في كفرجوز، وهو كان سابقاً عبارة عن موقف لآليات رجال الأمن، ثم تحوّل قسم منه إلى سجن النبطية بشكله الحالي، بعدما نُقل السجن من الوسط التجاري لمدينة النبطية قبل نحو 5 سنوات تقريباً. بقي الموقف ملاصقاً للسجن، وهو ما يمثّل مصدر إزعاج لنزلاء السجن، لما تُصدره الآليات من دخان وضجيج باستمرار.
إضافةً إلى التلوّث البيئي والصوتي، يشهد هذا السجن اكتظاظاً شديداً، فهو يتألف من ثلاث غرف؛ اثنتان «كبيرتان»، تبلغ مساحة كل واحدة منها حوالى 45 متراً مربّعاً، فيما تبلغ مساحة الصغيرة 20 متراً مربّعاً، ويتوزّع حوالى 100 سجين تلك الغرف، بعض النزلاء موقوفون، وآخرون صدرت في حقهم أحكام قضائيّة، ولكن عدد الموقوفين يفوق عدد المحكوم عليهم.
نظراً إلى ضيق المساحة، يجري حالياً توسيع السجن، وتأتي عملية التوسيع من ضمن أعمال تأهيل سجن النبطية، ليصار إلى استحداث غرفة جديدة للسجناء، تبلغ مساحتها حوالى 45 متراً مربعاً، وهي المساحة التي أُخذت من مدخل السجن، كما يُضاف حالياً حمّام إلى كل غرفة كانت تضم حماماً واحداً. تشمل أعمال الترميم تجديد المطبخ، وطلي جدران الغرف، ومنح السجناء أسرّة، فهؤلاء كانوا يفترشون الأرض ليناموا.
من اللافت أن أعمال الترميم تجري دون أن يغادر السجناء السجن، بعدما تعذّر نقلهم إلى سجون أخرى نظراً إلى اكتظاظ هذه الأخيرة، وقد تقرّر أن يصار إلى إنجاز كل غرفة على حدة، وأن يُنقل نزلاؤها إلى الغرف الباقية.
يشير أحد القائمين على سجن النبطية، إلى أنه نتيجة للظروف التي يعيشها السجناء داخل السجن، وغياب أيّة حرفة يمكن مزاولتها في الداخل، تسجّل نسبة كبيرة من المصابين بأمراض عصبية، ولا سيّما الكآبة، وقد يعمد بعض النزلاء إلى تشطيب أنفسهم وإيذائها، نظراً إلى حالة الملل التي تحاصر حياة هؤلاء، فلا وسيلة لقضاء الوقت سوى متابعة بعض القنوات التلفزيونية المحلية.

مهما يكن فإنّ أيّ تأهيل للسجون يبقى بعيداً عن جدواه إذا لم يؤدِّ إلى الإصلاح
المحامية مريم الشامي استحصلت على إذن من نقابة المحامين قبل إجراء هذه المقابلة، التي تعبّر فيها عن رأيها الشخصي، وتقول إنّ مبنى سجن النبطية «لا يراعي الشروط الصحية والإنسانية المفروضة دولياً ومحلياً، كما لا يمكن اعتبار هذا السجن فسحة لتأهيل السجين، بل لتدمير شخصيته وإنسانيته، إذ إنه يفتقر إلى محترف مهني، حتى إنّ دورات التعليم المهني غائبة عنه كلياً، ما يفقده دوره في الإصلاح والتأهيل». تضيف الشامي إنّ سجن النبطية «يخالف الأصول القانونية لجهة عدم فصل المحكوم عليهم عن الموقوفين من جهة، وعدم فصل المحكوم عليهم بالعقوبة الجزائية عن التكديرية من جهة أخرى». الشامي تشكو، كغيرها من المحامين، من عدم وجود غرفة خاصة لتوفير لقاء بين السجين ووكيله المحامي، ما يمثّل خرقاً لمبدأ سريّة الدعوى.
وتستغرب المحامية الشابة عدم تفعيل المادة 111 من أصول المحاكمات الجزائية، التي تخفّف كثيراً من الاكتظاظ داخل السجون، إذ إنها تنصّ في الفقرة الأولى على أنّ «لقاضي التحقيق، مهما كان نوع الجرم، بعد استطلاع رأي النيابة العامة، أن يستعيض عن توقيف المدعى عليه بوضعه تحت المراقبة القضائية، وبإلزامه بموجب واحد أو أكثر من الموجبات التي يعتبرها ضرورية لإنفاذ
المراقبة».


الحلّ بيد الطليان

وقّع أخيراً وزير الداخلية والبلديات، المحامي زياد بارود، وسفير إيطاليا، غبريال كيكيا، مذكّرة تفاهم لتحسين أوضاع السجناء في لبنان. وكان مجلس الوزراء قد وافق على تقبّل لبنان هبة من إيطاليا بقيمة 400 ألف يورو. ويُتوقّع انطلاق مشروع الإصلاحات في السجون خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
تشمل الإصلاحات تحسين جودة وخدمة الطعام في السجن المركزي في رومية وفي سجن زحلة. وسيتمّ تدريب عدد من السجناء في المطابخ، ما قد يساعدهم في العمل بعد انقضاء مدة سجنهم. وتشمل الإصلاحات تحسين البنى التحتية للسجون، وخصوصاً خدمة المياه والكهرباء.
كما ارتأى متخصصون في إدارة المؤسسات العقابية ضرورة وضع تقرير شامل عن أوضاع جميع السجون في لبنان ليتمكّنوا من تحديد الأولويات. وسيقدّم أكاديميّون لبنانيّون التقرير وفقاً لمنهجيّة علميّة وضعت أخيراً. وبناءً عليه ستتمكن الداخلية من تحديد السجون التي يفترض إغلاقها، والسجون الأخرى التي يفترض انطلاق الأشغال فيها قبل غيرها.