تستمر معاناة الموقوفين في السجون لناحية التأخير في بتّ المحاكمات. فأحياناً، تتجاوز مدّة التوقيف «الاحتياطي» مدة العقوبة، كما هي حال محمد س.
محمد نزال
يستعيد السجين حريته بعد انتهاء مدّة عقوبته. فكرة في منتهى البساطة والبديهية، لكن محمد س. (23 عاماً) الذي خرج من السجن قبل أيام، بقي خلف القضبان نحو سنة وثلاثة أشهر من دون محاكمة. وقد أصدرت المحكمة حكماً في حقّه أخيراً بعقوبة عنوانها «المدّة التي قضاها في السجن»، وذلك بعد إدانته بجنحة تعاطي «حشيشة الكيف».
اللافت أن هذه العقوبة (أي المدّة التي قضاها في السجن) جاءت مختلفة عن الأحكام التي تصدر عادةً عن محاكم الجنايات في قضايا مماثلة، بحيث يُصدر القضاة أحكاماً بالسجن مدّة 3 أشهر بحق متعاطي المخدرات، ويكتفون أحياناً بمدّة التوقيف الإداري فقط، وذلك لإعطاء الموقوف فرصة للإقلاع عن تعاطي المخدرات، بحسب ما يقول المتابعون لهذه القضايا. وقد علّل أحد المسؤولين القضائيين في حديث مع «الأخبار» مدّة التوقيف الطويلة، أي التي تتجاوز أحياناً مدّة العقوبة، بـ«تكدّس الملفات التي تستوجب البت، في مقابل نقص عدد القضاة، إضافة إلى غزارة بعض القضايا التي توضع على كاهل قاض معين، وأهمها قضايا المخدرات».
مهما كان السبب، فالنتيجة هي أن محمد بقي أسير عتمة السجن، أكثر من آخرين متّهمين بالجنحة نفسها، وذلك لمدّة جاوزت السنة. الحكم الصادر في حق محمد يأتي ليناقض ما كان أكّده قبل أيام أحد المسؤولين الأمنيين العاملين في مجال مكافحة المخدرات، لناحية «تساهل القوى الأمنية والقضاء مع متعاطي المخدرات، بحيث لا يُسجن إلا لمدّة قليلة، وأحياناً لا يُسجن نهائياً، في مقابل الشدة المطلوبة مع التجّار والمروّجين».
جاء في الحكم الصادر عن محكمة الجنايات في بيروت، أن القوى الأمنية اشتبهت بمحمد، الشاب العشريني، فحاول أحد العسكريين توقيفه في أثناء وجوده داخل محل لبيع الهواتف الخلوية. أخرج محمد «شفرة» كانت بحوزته وبدأ بتشطيب نفسه، في محاولة منه لعرقلة عملية التوقيف، غير أن محاولته لم تنجح. وبالاستماع إلى إفادة خاله، قال إن ابن شقيقته أخذ منه هاتفه الخلوي من دون علمه، وذلك بهدف بيعه وشراء المواد المخدّرة بثمنه.
وفي التحقيق مع الموقوف، أنكر سرقة الهاتف، قائلاً إنه نسيه في جيب سترته قبل خروجه من المنزل، ثم أعاده إلى خاله لاحقاً.

تكدّس الملفّات ونقص عدد القضاة يؤدّيان إلى تأخير بتّ المحاكمات

وبالفعل، ثبت في التحقيق أن الشاب قد أعاد الهاتف إلى صاحبه. لكن محمد اعترف بتعاطي الحبوب المخدّرة من نوع «ريفوتريل» منذ مدّة سنتين، قبل أن يتعرّف على فادي (32 عاماً) الذي عرض عليه مرة تدخين «سيجارة حشيشة»، ليعرّفه بعدها على فتى عمره حوالى 16 عاماً يقيم داخل مخيم صبرا. أصبح محمد كلما أراد الحصول على المخدرات يتوجه إلى المنطقة المذكورة ويلتقي بالفتى نفسه، فيزوّده بـ«حاجته» مقابل المال.
وبناءً على هذه الإفادة، أوقفت القوى الأمنية فادي، الذين تبيّن وجود أسبقيّتين في حقه تتعلقان بقضايا مخدرات. وفي التحقيق معه، أنكر ما أسند إليه من تهمة التجارة بالمخدرات، وكذلك نفى معرفته بمحمد. بدوره، نفى الأخير معرفته بفادي الذي أحضرته القوى الأمنية، مدّعياً بأن الذي يعرفه هو شخص آخر يحمل الاسم نفسه. لكن المحكمة لم تأخذ بهذا النفي، لأنه «يفتقر إلى الجدية، وينمّ عن محاباة من محمد تجاه فادي» بهدف عدم توريطه، وذلك بناءً على الأدلة والمعطيات التي كانت بحوزة المحكمة.
حُكم على فادي بالسجن مدّة 5 سنوات، بعد إدغام أكثر من عقوبة صدرت بحقه تنوّعت ما بين جنايات وجُنح، إضافة إلى غرامة قدرها 5 ملايين ليرة لبنانية. أما محمد، فحكم عليه بثلاث جُنح أُدغمت مع بعضها، وهي «سرقة هاتف خاله (رغم إعادته)، ونقله شفرتين قاطعتين ممنوعتين، وتعاطيه مادة حشيشة الكيف»، فكانت عقوبته... «المدّة التي قضاها في السجن».