محمد محسنفي عام 1979، انتصرت الثورة في إيران، وكانت مفترق طرق شجّع المدّ الفكري الإسلامي وكان له نموذجاً ومرجعاً. يومها، كان جرادي يدرس في حوزة دينية بإشراف السيد محمد حسين فضل الله. وفي عام 1984، شدّ رحاله نحو حوزة قم في إيران، حيث تابع لسنوات دراساته الدينية. ولإيران رصيدها الخاص في وجدانه، فقد أفاد من غنى المجتمع الإيراني: «الشعب هناك علمي ومثقف، أي جلسة تولد نقاشاً فكرياً، حتى النكتة لها دمغة فكرية». تجربة الشيخ شفيق في العمل المقاوم ضد العدو الإسرائيلي كانت «إقناعية» إن صح التعبير. رغم أنّ حالته الصحية منعته من المشاركة مباشرةً في الأعمال العسكرية، إلا أنّه أخذ على عاتقه إقناع الناس في الثمانينيات بجدوى المقاومة، وما أصعبها مهمّة في تلك الحقبة. المقاومون كانوا بنظر الناس «مجانين». أما هم فكانوا مأخوذين بقوّة جارفة كامنة في أعماقهم وذاكرتهم وتاريخهم. وجرادي من هؤلاء الذين زرع الإيمان فيهم منذ الصغر: «لمدرسة عاشوراء كل الفضل في ذلك»، يقول.
يختصر ذلك المنعطف الحاسم كالآتي: «المقاومة ضد إسرائيل كانت في بدايتها مغامرةً لا بد من خوض غمارها». لاحقاً، تكوّن مفهوم آخر عن المقاومة، يتوسع في شرحه: «المقاومة حركة فعل ولّدت ثقافة مجتمعية». أما مآل هذه الثقافة، فهو التوجّه نحو «حضارة الاقتدار». حضارة يعتبرها جرادي بديلاً من ثقافة «الاستحواذ على الآخر» التي تمثلها الولايات المتحدة. هكذا، تفرّق هذه الثقافة بين من يتعامل على الأرض كأنّه سيّدها، وبين من يعتبر نفسه مستخلفاً عليها. يشرح جرادي: «أنا عبد الله على الأرض، لا أحكم بمزاجي. لست معنياً بتدمير العالم حين يختلف مع هذا المزاج». ثقافة الاقتدار تقول أيضاً بوجوب امتلاك الصبر قبل امتلاك القوة. أما الغلبة فتكون لمن يصبر على ابتلاءات غيره، حين يظن هذا الآخر أنّه هزمه. وفي حالة الانتصار، يستعيد جرادي مثالاً قرآنياً، عن قصة سليمان الذي «تنبّه إلى مخاوف نملة وهو في عز سلطته واقتداره».
كل ذلك يقودنا إلى سؤال أساسي: الدولة الإسلامية ومشروعية قيامها وإمكانات ذلك في لبنان. يحيل الشيخ جرادي إلى الاجتهاد في نظرية «ولاية الفقيه»، وأساسه أن تَحقُّق القيم الدينية ليس منوطاً بشكل النظام. إذا تحققت سيادة القيم الدينية «كأن تكون حراً في العبادة والمعتقد وشراكتك محترمة في المجتمع، تنتفي الحاجة إلى جمهورية إسلامية» كما يقول. ويذهب إلى الهدف مباشرةً: «عندما يقول السيد حسن نصر الله إن مشروع إقامة جمهورية إسلامية في لبنان غير وارد، فهو صادق طبعاً... فمعطياته الاجتهادية والدينية تسمح بذلك».
لا يمكن أن نتحدّث عن شفيق جرادي، من دون أن نتوقّف مليّاً عند حضوره الحيوي في مجال حوار الأديان. معروف عنه مشاركته في لقاءات وجلسات وندوات كثيرة مع لاهوتيين وعلماء من مختلف الطوائف والمذاهب. وهو يرفض بشدّة البعد النخبوي لحوار الأديان في لبنان... الذي يجعله أقرب إلى «الجمود والترف، وحوار صالونات وتجّار سياسة». فهو يدافع عن مشروع قائم على «حوار إسلامي ـــــ مسيحي ـــــ مشرقي» يراعي القضايا المشتركة بين المسلمين والمسيحيين على قاعدة «شهادة الإسلام وناسوت المسيح»، وهي الأمور التي ترتبط بعناصر الحياة الدنيوية عند الإنسان في كلتا الديانتين. نسأله عن تقصير رجال الدين عن أداء مهماتهم، وخصوصاً في ضوء مستجدات العصر العلمية والسياسية، فيوضح أن مسألة العمل الثقافي بالغة الحساسية بالنسبة إليه: «أي خطأ يوقعك في الحرج ويؤدي بالفكرة إلى الفشل». كيف العمل إذاً؟ القاعدة بسيطة بالنسبة إليه: «قل فكرتك بوضوح وشفافية، بطريقة تتلاءم وقدرة الآخر على استيعابها. اصدم، لكن لا تستفز».
على مستوى الشخصيات الإسلامية، يبدو جرادي متعلقاً بآية الله الخميني. أما على المستوى غير الإسلامي، فيبدي إعجابه بقدرة كارل ماركس على «الدمج بين الفلسفة وموضوعات ترتبط بالتركيب الحضاري العام». كما يجذبه الفيلسوف الألماني هيغل. ويبتسم وهو يتحدّث بإعجاب عن الأم تيريزا، داعياً المسيحيين المعجبين بها «إلى قراءة «وصايا» الإمام الخميني». الشيخ شفيق الذي يدير «معهد المعارف الحكمية» منذ عام 1999، يحبّ الموسيقى كثيراً، ويشير إلى أن كل شيء يحمل إيقاعاً فنياً. أما أكثر ما «أطربه»، فكان صوت الصحراء وهواءها، أيّام إقامته في قم. يستوحي من القرآن قصة الإسراء والمعراج، معتبراً أنها من أجمل اللوحات الفنية، داعياً الفنانين إلى النظر إليها بذهنية الصورة لا الخبر: «هناك، ترى بوضوح انفتاح السماوات بعضها على بعض، والتقاء الخير بالخير».


5 تواريخ

1962
الولادة في بيروت

1979
بداية دراسة العلوم الدينية

1999
تأسيس معهد المعارف الحكمية الذي ترأسه

2004
صدور كتابه الأول «مقاربات منهجية في فلسفة الدين» الذي تبعته، حتّى الآن، خمسة مؤلفات أخرى

2010
يشتغل على مشروع للحوار بين الأديان، وخصوصاً المسيحية، يستفيد في أسسه من التجارب السابقة