حضرت الدفعة الخامسة من الجنود الكوريين إلى لبنان للمشاركة في خدمة الجنوبيين لمدة ستّة أشهر تحت إدارة كتيبتهم العاملة في قوات "اليونيفيل". وتتضمن 360 جندياً اختيروا، بعد خضوعهم لاختبار الكفاءات
سيول ــ آمال خليل
قبل ثلاثة اشهر، شد تشونغ إن تشين (23 عاماً) رحاله للسفر من بلدته في جنوب كوريا الجنوبية إلى جنوب لبنان للإنضمام إلى وحدة بلاده المشاركة في حفظ السلام في إطار قوات "اليونيفيل". ودع الشاب عائلته وحمل "غيتاره" وكتبه وصور أحبائه واستقل الطائرة العسكرية من مطار سيول العسكري إلى لبنان لخدمة الجنوبيين لمدة ستة أشهر من الآن.
على متن الطائرة، كان تشونغ المتوتر والمتعب، يمضي رحلة الساعات العشر إلى البلد الغريب بين مراجعة بعض المصطلحات العربية في آلة الترجمة الفورية التي تلازمه، وبين استشارة زملاء له يخوضون تجربتهم الثانية في لبنان، حول شؤون لبنانية كان لا يزال يجهلها.
وفور وصوله إلى مطار بيروت الدولي، كان على تشونغ وزملائه الانتظار لساعات عدة في إحدى الزوايا ريثما تنتهي إجراءات تسجيل دخولهم إلى لبنان لحفظ سلامتهم، وهو ما سيحصل عند مغادرتهم أيضاً بعد ثلاثة اشهر بشكل مبدئي.
خلال فترة خدمته، قد يكون تشونغ من بين الكوريين الملثمين الذين يفتتحون منطقة القرار 1701 عبر نقطة المراقبة الثابتة عند جسر القاسمية وقد يكون أحد منظمي دورات تدريب المهن والرياضة أو العاملين في تعبيد الشوارع وتنظيفها وفي طبابة الناس في بلدات شبريحا وبرج رحال والعباسية والبرغلية وطيردبا. لكنه في كل الاحوال يقضي بين تلك البلدات ستة اشهر من اصل عامين من الخدمة الاجبارية، آملا بالعودة سالماً الى وطنه لاستئناف حياته ودراسته في كلية الاقتصاد، إذ إن مكمن خوف الشاب قد لا ينحصر بالتهديدات التي تطلق بين الحين والآخر ضد قوات "اليونيفيل" فحسب، بل أيضاً بالضربات الموجعة التي تلقتها الوحدات الكورية التي شاركت في حفظ سلام دول أخرى مثل أفغانستان والعراق. لكن تشونغ يظن بأنه سيكون بأمان في لبنان "بسبب إجراءات الحماية المشددة داخل وخارج القاعدة واستتباب الامن وضيافة الجنوبيين ومعاملتهم الطيبة"، كما نقل له زملاؤه الذين خدموا فيه سابقاً.
لكن "امان" لبنان لم يمنع قيادة اليونيفيل العامة في لبنان وقيادات وحداتها ومنها الكورية، استئناف تكثيف الاجراءات الامنية المشددة لدى التحرك ميدانيا او على في محيط قاعدتها العسكرية اثر التهديدات التي جددت مؤخرا لاستهداف اليونيفيل. وبات على زائري المقرات، تحمل التفتيش الامني الدقيق للاشخاص والآليات من قبل الجنود الذين يستعينون بالكلاب المدربة لتتأـكد من خلو الاغراض التي يصطحبونها معهم من المتفجرات.
إلاّ ان تشونغ، الشاب الآتي إلى "خطر محتمل" قاطعاً آلاف الأميال، اختير من بين النخبة ليكون في عداد الكتيبة الكورية الحالية، وهي الخامسة منذ أيار من عام 2007، تاريخ انضمام كوريا لـ "اليونيفيل". فالجنود الـ 360 المختارون لهذه المهمة يتفوقون على آلاف المتقدمين بطلبات الانضمام الى قوة حفظ السلام في الجنوب في اختبار الكفاءات والقدرات. فالمنصب يعد مغرياً للكثيرين في الجيش الكوري الذي يضم ستين الفاً، بسبب "الخبرة المتميزة التي يكتسبها الجندي في الخارج فضلاً عن الامتيازات والأجر المرتفع"، بحسب ما يقول أحد الجنود.
لم يقف جهد تشونغ للمجيء إلى الجنوب عند ذلك الحد، بل استكمله بإعداد نفسه للتعامل مع البيئة المختلفة. درس اللغة العربية في كلية الترجمة وتعرّف على دين الإسلام وعاداته في مسجد "سيول" واستبدل اسمه مؤقتاً بعلي، وهو اسم اختاره له صديق خدم في الجنوب، باعتبار أنّه الأكثر انتشاراً بين مناطق الجنوب.
لعلي الكوري في قاعدة شارنيه زميلة سمّت نفسها ندى بدلاً من لي هيو سون. المتطوعة في الجيش الكوري بصفة مترجمة من الكورية إلى العربية جدّدت مهمتها لعام إضافي في الجنوب الذي صار لها فيه أصدقاء وصديقات. من هنا، تبدو ندى مطمئنة للوضع أكثر من علي "بعد اختبار طيبة الجنوبيين من جهة وطبيعة المهمة الكورية الإنسانية من جهة أخرى". لكن الاثنان كانا يتقاسمان عدم المعرفة بوجود لبنان على الخريطة العالمية قبل الاعلان عن الالتحاق بالكتيبة الكورية العاملة فيه. استفسر الشابان عن البلد الجديد، فقيل لهما إنه "بلد جميل ويجاور اسرائيل وسوريا وشهد حرباً أهلية شبيهة بحرب الكوريتين".
بعد أشهرعدة قد يتحول لبنان إلى نقطة تحول في حياة علي وندى، إذا لم يطلبا تجديد مهمتهما بموافقة قيادة الجيش. فالبعض من زملائها وقادة الوحدات السابقين باتوا يشغلون اليوم مناصب عليا إما في مقر الأمم المتحدة في نيويورك أو في وزارة الدفاع وقيادة مركز قوات حفظ السلام الكورية في العالم أو التعليم في الكليات العليا.