strong>رنا حايكأمس، بدل أن يناقش طلاب الجامعة الأميركية قضية «الهوية اللبنانية» التي دعت الحكومة الطالبية لمناقشتها في سياق نشاط «هايدبارك» الأسبوعي، انجرّوا، من حيث لا يدرون، إلى مباراة في عرض العضلات وفي طرح المزايدات والتشبّث بمواقف وصلت في كثير من الأحيان إلى حدّ الشوفينية المجانية، أي تلك التي يعجز صاحبها عن أن يقدم حجج اعتناقه إياها، إذ اقتصرت حجج بعض الفخورين بلبنانيّتهم على «أغنى رجل في العالم لبناني» و«نسافر جميعنا ونعود مكللين بالغار». فبدل أن تسمع، أمام مبنى وست هول، حججاً أكاديمية تنمّ عن ثقافة عامة تليق بطلاب إحدى أهم الجامعات في الشرق الأوسط، وخطاباً فيه الحدّ الأدنى من البلاغة والنضج في طرح الأفكار، انحدر مستوى النقاش إلى حضيض من الكيدية الطفولية والسذاجة البريئة من أية خلفيات ثقافية، حيث اختزل في: «من يفخر بكونه لبنانياً ومن لا يفعل؟». دفاعاً عن الموقفين المذكورين، قدّم بعض الطلاب حججاً ليست غير مدرسية فحسب، بل مفعمة بالمغالطات التاريخية والأدبية. هكذا، استشهد أحد الطلاب بالكاتب خليل جبران خليل الذي قال: «لكم لبنانكم ولي لبناني»، بينما سأل طالب آخر عن هوية المستعمر في الجزائر، فهو لم يعد يذكر ما إذا كان إيطالياً أو فرنسياً، فيما كان مطرب الراب ريّس بيك هو أقرب مرجعية لأحد الطلاب الذي استشهد بكلمات إحدى أغانيه. غابت عن النقاش نظريات العلم السياسي والتشريح الاجتماعي، حتى اعترف أحد الطلاب، من على المنصة، بأنه يخجل من «المشاركة في نقاش بهذه الركاكة»، عازياً إياها إلى «المجتمع المخملي الذي ينحدر منه معظم الزملاء الذين لا يعرفون شيئاً ممّا يجري في الواقع اللبناني، خارج أسوار جامعتهم وسياراتهم الرباعية الدفع وحانة السكاي بار». تعليق الطالب جاء رداً على طالبة متحمّسة شبّه مداخلتها بـ«وصلة ردح لواحدة عم بتنشّر غسيل عالبلكون وتصرّخ لجارتها أنا فخورة إني لبنانيي ولي». وكانت هذه الطالبة قد عبّرت عن فخرها بانتمائها اللبناني الفينيقي، مستبعدة الامتداد العروبي للبنانيين، لأن «الأمة العربية مجرّد وهم. وكما قال عدة علماء اجتماع، الأمة ليست سوى التقاء جماعة حول أسطورة»، داعية بعض زملائها إلى: «اوعوا عحالكن بقى. العرب اللي بتعتبروهن إخوانكن تاركينكن تقاوموا لوحدكن ومش سائلين عنكن». وحين رأت زميلة لها أن «مفهوم الهوية أصلاً يستثني الآخر» وأن «البحث عن انتماء فينيقي ليس سوى محاولة مضحكة للتقرّب من الرجل الأبيض وامتداد لتراث الكولونيالية مثله مثل تحدثنا بلغات ثلاث في جملة واحدة» قبل أن تدعو إلى «تجنيس العاملات الأجنبيات في المنازل لأنهن لسن أقل لبنانية مني وبعضهن يعشن ويعملن هنا منذ أكثر من ثلاثين عاماً»، ردّت عليها قائلة: «القانون واضح. ينال الجنسية اللبنانية المنحدر من أصل لبناني، وإذا مش عاجبكن فيكن تروحوا تتشكّوا بمجلس النواب مش عندي أنا حبيبتي»، بينما ردّ بعض الحضور عليها: «شو نحنا كاريتاس تنوزّع جنسيات؟». طبعاً هناك الطالبة التي استفزّها جداً زملاؤها ممّن رأوا أنهم «ناس قبل ما نكون لبنانيي. وجودنا هون بالصدفة. وعنّا أولويات أهم من مناقشة الأصل والفصل، متل الالتفات لأب لبناني ما معو يطعمي ولادو»، لكنها، رغم فخرها بلبنانيّتها، اعتذرت عن التحدث بالعربية، لأنها لا تتقنها، ما أعطاهم مادة دسمة لانتقادها. وهناك أيضاً من سأل زميله الذي وصف نفسه بالإنسان، بغض النظر عن الأصل والفصل، عمّا إذا كان قد سمع قبلاً عبارة «بلا أصل». محمد رأى أننا «قرطة عالم مجموعين» وبس. على العكس منه، دافع طارق بشراسة عن الـ10450 كلم2، نافياً أن تكون «منحة من المستعمر»، كما قال البعض. أما حجّته، فـ«شوف كم مرة انذكر جبل لبنان بالإنجيل». انقسم الطلاب إلى معسكرين، كالعادة، يمين تمسّك بالمرجعية الفينيقية، ويسار عالمي رأى أنه «أينما وجد الظلم، فذلك هو موطني»، كما يقول غيفارا. دار الطلاب كثيراً حول قضية الهوية من دون أن يناقشوها فعلاً، استشهدوا بأدبيات وأمثلة مدرسية، وبدا افتقارهم إلى المتابعة اليومية لتفاصيل الحياة اللبنانية جليّاً. للمفارقة، اختتم النشاط طالب برازيلي بدا كأنه أدرى من أهل مكة بشعابها إذ قال: «حين يقاتل العراقيون المحتل أصبح عراقياً، وحين يقاتل اللبنانيون الصهاينة أصبح لبنانياً. أما حين تقرّ الحكومة اللبنانية زيادة نسبة الضريبة على القيمة المضافة، فلا أعود لبنانياً. حقّكم أن تكونوا فخورين بلبنانيّتكم، شرط أن تحدّدوا ما أنتم فخورون به. وأصلاً، أنتم ميّالون إلى أن تكونوا عنصريين في ثقافتكم، فحذار».