يفتقد المزارعون في البقاع الحكومة في «المصيبة» التي لحقت بهم نتيجة تقلبات المناخ، والتي خلّفت وراءها حقول قمح صفراء يتآكلها المن وأشجار بلا ثمر، ما يرجّح ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية خلال الفترة المقبلة
البقاع ـ رامح حمية
لم تستطع عيون المزارعين البقاعيين تحمّل مشهد الصقيع وهو ينهش مواسمهم الزراعية الربيعية والصيفية، فدمعت حرقة على «الرزق اللي راح بالأرض»، وعلى أكلاف ليس بالإمكان حتى تعويضها، في ظل دولة لا تزال حكومتها وهيئتها العليا للإغاثة غائبتين، سواء لناحية الكشف على الأضرار أو حتى التفكير بالتعويض. فكما كان المزارعون يتوقعون، فتكت تقلبات المناخ بمزروعاتهم، بعد موجات الصقيع التي ضربت البقاع مخلّفة وراءها بساتين من اللوز والكرز والمشمش بدون ثمار، فضلاً عن تلف العديد من مشاتل التبغ وبعض الحقول التي زرعت باكراً بالبطاطا، وخصوصاً بعدما داهمت موجة صقيع وضباب سهل البقاع بأكمله خلال الأسبوع المنصرم، لتقضي على حقول شاسعة من القمح بعدما سبب له مرضاً يدعى «الصدأ الأصفر»، فضلاً عن غزو حشرات المن و«التريبس» للحقول التي بدأت معالم السنابل تظهر عليها. المزارع وجيه حمية أكد أن مرض الصدأ طال معظم الحقول الموجودة في سهل طاريا وطليا وكفردان وهو ما سينعكس بالتأكيد سلباً على أصحاب هذه الحقول، وخاصة أولئك الذين بدأت حقولهم تشهد وجود سنابل، لأن مرض الصدأ يقضي على أوراق النبتة وبالتالي ينهي عملية غذاء الحبة، ويصبح إنتاج دونم القمح 150 كيلو بدلاً من طن. أما الحقول التي لم تظهر سنابلها بعد، فلا يزال إنقاذها ممكناً إذا ما تحركت الدولة سريعاً. بدوره، استغرب المزارع حسن زعيتر غياب الحكومة والهيئة العليا للإغاثة عن الكشف والتعويض، متسائلاً عن كيفية تغطية أكلاف زراعة هذه الحقول من كيماويات ومازوت من دون مساعدة الدولة؟. كما لفت إلى أن الحكومة لم تعوّض على مزارعي البقاع منذ خسائر حرب تموز الفادحة، فلم تلتفت إلى تراكم الخسائر الناتج تارة من المناخ، وتارة من سياسة الاحتكار، وأطواراً من غياب الروزنامة الزراعية وسوء التصريف.
وقد طالت الخسائر الناجمة عن تقلبات المناخ غالبية المزارعين في قرى سفوح السلسلة الشرقية من عرسال ونحلة وبريتال والنبي شيت، إلى بعض بساتين قرى غرب بعلبك الموجودة في السهل، فقد أكد المزارع محمود الفليطي أن «المصيبة كبيرة» في عرسال، فالخسائر «فادحة جداً بعدما تدنّت درجات الحرارة تدنّياً لافتاً، الأمر الذي قضى على آمال أصحاب بساتين الكرز والمشمش بموسم زاهر لهذا العام»، منتقداً غياب ما يسمى بالهيئة العليا للإغاثة في الكشف على الأضرار الناتجة من موجة الصقيع، ومناشداً الحكومة التحرك بسرعة للتخفيف عن كاهل المزارعين في عرسال، الذين يعتمدون اعتماداً رئيسياً على إنتاج بساتينهم من الكرز والمشمش، حيث توفر المليون ونصف مليون شجرة حوالى 6000 طن من الكرز العرسالي المميز، الذي يعتمد عليه السوق اللبناني والسوري، كما يصدر قسم منه إلى بعض دول الخليج. المهندس الزراعي علي الموسوي أكد في حديث لـ«الأخبار» أن الخسائر التي لحقت بالمزارعين البقاعيين كبيرة جداً، فمن خسائر أصحاب بساتين الأشجار المثمرة (لوز ومشمش وكرز وتفاح) التي ضربت مواسمها موجات الصقيع، إلى حقول القمح التي أصابها مرض الصدأ الأصفر والمن و«التريبس»، عازياً السبب في ذلك إلى التقلبات السريعة بدرجات الحرارة وانخفاضها بسرعة، موضحاً أن القمح يحتاج في فترة نموّ السنابل إلى درجة حرارة ما بين 25 و35 درجة، فيما مرض الصدأ الأصفر تناسبه حرارة تتراوح ما بين 10 و17 درجة. وعن العلاج، رأى الموسوي أن حقول القمح التي ظهرت سنابلها وأصيبت بمرض الصدأ لا يمكن علاجها، أما تلك التي لم تظهر سنابلها فيمكن الدولة تقديم المساعدة للمزارعين لمعالجتها، كاشفاً أن الصدأ الذي ينتشر في بقع محدودة من أي حقل قمح معرّض للمزيد من الانتشار بعد موجة الأمطار التي انهمرت خلال الأسبوع الماضي في البقاع.
موجة الصقيع ومرض «الصدأ الأصفر» لم تسلم منهما أيضاً حقول سوريا بحسب ما أكد الموسوي، حيث لفت أيضاً إلى وجوب تقديم المساعدة للمزارعين المتضررين من جهة، فضلاً عن قيام وزارة الزراعة بحملة توعية كبيرة لهم، وبتأليف لجنة لأخذ عينات من القمح المصاب وغير المصاب ومعرفة تاريخ زراعته، حتى لا يعود المزارعون لزراعته العام المقبل حيث سيواجهون المشكلة ذاتها لكون مرض الصدأ مرضاً فطرياً.
وعليه، فإن البعض يعتقد أن المزارع البقاعي عندما سلك درب زراعة حشيشة الكيف كان مخيراً في قراره، لكن الثابت أن الدولة وسياستها التي تعتمد على «غض الطرف» عن مشاكل المزارعين وخسائرهم، هي بمثابة الدافع الإلزامي لهم لسلوك هذه الدرب الملعون.