بعد عقود من الإهمال، تتحضّر التكيّة المولوية في طرابلس لاستعادة أمجاد الماضي إثر قرار رئاسة الحكومة التركيّة ترميم المبنى وتأهيله ليصبح مركزاً ثقافياً تُقام فيه العروض الصوفية
طرابلس ــ مهيرة علاوي
التكيّة المولويّة، مبنى كان يعرفه جيّداً فقراء طرابلس وفقهاؤها قبل ستينيات القرن الماضي. فهي كانت تمثّل مركز تعليم دينيّ وتصوّف لأتباع العلامة جلال الدين الرومي من جهة، وملجأً يرعى من لا عائل له من العجزة، وأرامل وفقراء. لكن مبنى التكيّة التي أنشأها العثمانيون تحوّل، بعد طوفان نهر أبو علي عام 1955 وخلال الحرب اللبنانية، إلى شاهد على الإهمال والدمار والتشويه.
رئاسة الحكومة التركية قرّرت أخيراً إعادة التكيّة إلى أمجادها الغابرة عبر ترميمها وتأهيلها، من خلال تكليف «تيكا» (إدارة التنمية والتعاون التابعة لرئاسة الحكومة التركية) مهمة تمويل أعمال الترميم والصيانة، والإشراف. ويتوقع أن تنتهي الورشة في تموز المقبل على أن يفتتح رئيس الوزراء التركي المبنى المرمم.
تنتهي الورشة في تموز المقبل ويفتتح رئيس الوزراء التركي المبنى المرمم
مسؤول شؤون الآثار في بلدية طرابلس وصاحب فكرة المشروع، الدكتور خالد تدمري، يوضح آلية العمل «أن الدراسة المعدّة لترميم التكيّة أشارت إلى وجود مشكلتين أساسيتين: حال المبنى التاريخي ومحيطه الخارجي. فمشاكل المبنى بدأت مع طوفان النهر وما رافق ذلك من انهيار وتصدّع في البناء ليكتمل مشهد الدمار خلال الحرب اللبنانية حينما تحولت التكيّة إلى مقرّ للعائلات المشردة، وما رافق ذلك من طمس لطابع التكيّة القديم عبر بناء مبانيها وتقسيمها بالحجارة الباطونية، ونهب حجارتها القديمة من جانب تجار الآثار».
المشكلة الثانية تمثلت بمحيط التكيّة «أو ما يعرف بسوق الأحد الذي ينشط يومَي السبت والأحد ويزنّر التكيّة بعالم من الفوضى والإهمال فتتحول إلى مكان لقضاء حاجات التجار». وفي هذا الإطار يذكر أن بلدية طرابلس تعهدت بإزالة تلك التعديات وأمّنت مساكن شعبية للعائلات المهجرة التي كانت تسكنها، كما تعهّدت إخلاء محيط التكية ونقل السوق بعد حصولها على اتفاق تنازل من آل المولوي، مالكي التكية.
ويقدّم تدمري معلومات عن المبنى الذي يتألف من أربعة أقسام «قسم عند مدخل التكيّة هو منزل شيخ الطريقة المولوية، القسم الثاني هو الساحة المطلة على النهر والقاعة التي تقام فيها العروض، القسم الثالث هو المسجد، أما القسم الأخير فيُعدّ داراً للمسافرين، وهو محطة لاستقبال الضيوف العلماء والدراويش.
ويوضح تدمري أنه كان «لا بد من معرفة تفاصيل عن المبنى لإنجاح عملية المحافظة على خصوصيته، وذلك عن طريق تحديد مراحله التاريخية قبل تعرضها للتدمير، لذا لجأ المشرفون على الترميم إلى دراسة العديد من الصور القديمة التي التقطها الرحالة والمصورون في القرون الماضية». ويشير تدمري إلى أن «عملية الترميم ليست معقدة، لأن التكية لا تحتوي على الكثير من الزخارف الفنية، بل هي عبارة عن عقود مبنية بالحجارة البيضاء والسوداء. والصعوبة الكبرى كانت في تحديد مقام «النبي الخضر» التابع للتكيّة الذي كانت الأبنية العشوائية قد فصلته كلياً عن المبنى الأساسي.
ويأمل تدمري أن يكون المشروع نموذجياً، «فلا تعود المشاكل بعد أشهر قليلة من الترميم». وهذا ما تتأكد منه غولكين أطالاي، مسؤولة مديرية الآثار التابعة لوزارة الثقافة في مدينة قونيا، وتقول إن مهمتها تقضي «بالإشراف على مراحل تنفيذ الترميم والاطلاع على التفاصيل للتأكد من مطابقتها للخرائط والتأكد من صحة اختيار المواد المستخدمة لمعالجة المشاكل الأساسية والطارئة».
أما عن الخطوات اللاحقة فيؤكد تدمري أن «ترميم التكية خطوة أولى من مشروع ضخم يطال محيطها لتحويله حديقة كبيرة عبر توقيع توأمة بين طرابلس وإحدى بلديات أنقرة، فتُستملك المباني الأثرية القريبة من التكية وتُدخل في إطار حديقة كبيرة. ويلحظ المشروع إقامة شلالات اصطناعية بين القلعة والتكية». وهذا ما سيكون غريباً جداً على تاريخ طرابلس وآثارها!
وتكشف مسؤولة قسم الترميم في إدارة التنمية والتعاون التابعة لرئاسة الحكومة التركية، المهندسة نرمين أوزون، أن «التكية ستتحول بعد إنجازها إلى نقطة جذب سياحية، فالمعلم الأثري سيصبح متحفاً يعرّف بتاريخ الفن المولوي، ومركزاً ثقافياً مع مكتبة متخصصة بالفن العثماني والإسلامي وقاعة مجهزة للمعارض والمحاضرات. وسيدخل ضمن برنامج المركز إقامة عروض صوفية مولوية باستمرار ستقوم بها فرقة طرابلسية يجري تدريبها باحتراف في تركيا».