آمال خليليثير مرسوم منح الأسرى أوسمة تكريمية، منذ صدوره قبل شهر ونيّف، جدلاً واسعاً في أوساط الأسرى المحررين والهيئات المعنيّة بهم، ولا سيما لجهة الشروط التي تحدّد منح هذه الأوسمة. وقد فوجئت لجان الأسرى بإقرار المرسوم من دون استشارتها.
بضحكة كبيرة يعقبها صمت طويل، يتلقى مهدي حميدان (48 عاماً)، الأسير المحرر من معتقلي عتليت وأنصار، خبر منحه الوسام بعد 25 عاماً على الإفراج عنه. كان مهدي عريساً جديداً يوم اقتاده الإسرائيليون من فراشه وشرّدوا عروسه وجرفوا بيته وحديقته. لكنّه تمكّن بعد اعتقال دام أقل من عامين من إيجاد مصدر رزق وتأسيس عائلة بمفرده، عندما لم يجد احتضاناً من الدولة والحزب الذي قاوم في صفوفه لسنوات.
يرتبك مهدي في تحديد رد فعله على إقرار المرسوم. فلا يكاد يستوي في مقعده في محل السمانة الذي افتتحه، أخيراً، في بلدته البيسارية (قضاء الزهراني)، حتى يفجّر غضبه من جديد. يشعر الرجل بالدهشة من «استعادة الوسام الآن بعد سنوات من طرحه»، والخيبة من «الشروط المذلّة والمضحكة التي حددت لمنحه وتصنيف درجته». ثم يسأل عن «دوافع الدولة في عدم تحديد هوية العدو الآسر صراحة في المرسوم، ما قد يجمع العملاء والمقاومين في حفل تكريم واحد». وبعد مشاورة سريعة مع نفسه وذاكرته، يقرر مهدي رفض الوسام ذي الميدالية الفضية، لكون المدة التي أمضاها في الأسر لا تتجاوز سنة ونصف سنة. ويعزّز قراره بالقول: «الأمر لا يستحق عناء النزول إلى بيروت وإقفال الدكان وتعطيل مصدر رزقي لساعات، في مقابل الحصول عليه».
هيئات الأسرى والمحررين تواصل اجتماعاتها لإبداء الملاحظات على المرسوم
أما المرسوم فقد صدر بناءً على القانون 365 الصادر عام 2001 لتكريم العسكريين، وعلى اقتراح وزير الدفاع، وبعد موافقة مجلس الأوسمة في 12 كانون الثاني الماضي، واستشارة مجلس شورى الدولة وموافقة مجلس الوزراء في 24 شباط الماضي. وعليه، يمنح «الذين أسروا على يد العدو في ظروف خارجة عن إرادتهم»، ميداليات تختلف قيمتها وفق المدة التي أمضوها في الأسر. فمن قضى ثلاث سنوات وأكثر يحظى بميدالية مذهّبة. أما من أمضى ما دون هذه المدة فيمنح ميدالية فضية. ومن اعتقل لعام واحد وما دون يعطى ميدالية برونزية. وتشرح المادة الثالثة من المرسوم أوصاف الميدالية المصنوعة من معدن البرونز، وقد رسمت في وسطها يدان مقبوضتان نزعت عنهما الأصفاد وتشعّ من حولهما الشمس، محاطتان بالأسلاك الشائكة تعلوها الأرزة. وفيما لا تزال هيئات الأسرى والمحررين تواصل اجتماعاتها لإبداء الملاحظات على المرسوم وتحديد الخطوات المقبلة في ضوء ذلك، أصدرت لجنة المتابعة لدعم قضية المعتقلين في السجون الإسرائيلية بياناً رفضت فيه الوسام بـ«شكله المذلّ»، كما وصفته، انطلاقاً من أن «جميع الأسرى يجمعون على أن الفترة الأولى للاعتقال هي الأصعب لكونها مرحلة التعذيب المكثفة والتحقيق».
ورأت اللجنة أنّ الوسام الذي أطلقت فكرته وسمّته وسام الحرية في عام 2000 «ليس على هذه الشاكلة المنسوخة عن القانون 364، بل هو نابع من تضحيات الأسرى الذين يتساوون في الاعتقال والتضحية من دون أن تفرّقهم الأرقام التي لا معنى لها أمام ما قدموه». وسألت اللجنة عن حصة الأسيرات «اللواتي سطّرن بطولات عظيمة بالرغم أن معظمهنّ أمضين أقلّ من ثلاث سنوات».
هنا، تقترح الأسيرة المحررة رويدا نحلة، ممثلة هيئة الأسرى في الحزب السوري القومي الاجتماعي، منح جميع الأسيرات وساماً مذهّباً.
وفي اتصال مع «الأخبار»، يلفت الأمين العام للجنة المتابعة، محمد صفا، إلى أنّه تلقى اتصالات من عدد من الأسرى المحررين «يرفضون الوسام بمواصفاته المقرَّة». وبينما كان يراجع ملفات عشرات الأسرى من ذوي الحالات الصعبة صحيّاً واجتماعياً ونفسياً بسبب الاعتقال والتعذيب، تبيّن لديه أنّ «الكثير من الأسرى الذين أصيبوا بإعاقات أو بشلل في أحد أعضائهم أمضوا في الأسر أقل من ثلاث سنوات.