strong>رضوان مرتضىعندما ظهرت بوادر تأجيل الجلسة، رفع الموقوف صائب د. يده طالباً الكلام. لم يلتفت إليه القاضي بدايةً. فرفعت والدة أحد الموقوفين الباقين صوتها، حذّرها القاضي من افتعال الفوضى، فصمتت قائلة: «إنه قلب الأم». هذا جزء من مشهد حدث أمس في الجلسة التي عُقدت في المجلس العدلي للنظر في القضية التي تُعرف بقضية «الزيادين»، أي للتحقيق في مقتل زياد الغندور وزياد قبلان. مرّت دقائق فرفع صائب يده مجدّداً. كذلك فعل باقي الموقوفين. أعطى القاضي الإذن لصائب بالكلام. فاقترب الأخير قائلاً: «انتظرنا ثلاث سنوات لنقول كلمتين»، وأضاف «شوَّهَ سجني ابني الذي لم يبلغ 16 عاماً إثر تعرّضه لصعقة كهربائية». صمت الموقوف قليلاً ثم أشار بيده إلى جملة مكتوبة فوق رأس القاضي، وقال بصوت مرتفع: «نطلُب منكم العدل الذي هو أساس المُلك». كلام صائب هزّ زوجته التي انتفضت واقفة تحاول أن تكتم دمعة أبت إلّا أن تخرج، فالوضع المعيشي دفع بابنهما إلى ترك مدرسته كي يعمل كهربائياً ليعيل والدته، لكنّ حادثاً حصل معه في العمل أدى إلى وفاة زميله واحتراق جسده، الأمر الذي دفع به إلى أن يلزم منزله. إذاً، وقفت زوجة صائب لكنها عاودت الجلوس لتنتظر ريثما تنتهي الجلسة.
أنهى الموقوف الأول كلامه، ثم سمح القاضي للموقوف وسام ع. بالكلام، اقترب وسام من مكبّر الصوت ليقول جملة قصيرة لكن معبّرة: «أطلب الإعدام إن كُنت مذنباً». صمت هنيهة، ثم قال مضيفاً: «دمّر سجني عائلتي، فقد أجبرتني السنوات الثلاث على أن أُطلّق زوجتي»، وختم: «لا أطلب إلّا العدل».
المشهد الأخير في جلسة المحاكمة جاء معاكساً لنظيره عند دخول الموقوفين. كان الأهل ينتظرون بترقّب. توتّر ضمني كان يشدّ عصب هؤلاء، وظلّ مسيطراً طوال الدقائق الأولى من الجلسة. دخل الأبناء الموقوفون إلى القاعة ملوّحين بأيديهم للأهل المنتظرين، فخفّف دخول هؤلاء من توتّر الأهل الذين شُغلوا بتبادل كلمات كانت قليلة لكن كافية لتبثّ الطمأنينة في نفوسهم. مرّت دقائق أخرى، دخلت هيئة المحكمة فوقف الحضور.
بدأت الجلسة بضربة مطرقة القاضي غالب غانم. سرد القاضي غانم أسماء الموقوفين ووكلائهم، إضافةً إلى أسماء الأظنّاء. بعد ذلك نادى على أسماء المتّهمين الرئيسيين، وهم الإخوة الخمسة شمص محمد وشحادة وعبد الله وعباس وعلي، وأشار إلى أنهم لم يحضروا رغم تبليغهم. فتقرّر وفقاً للمادتين 282 و283 من أصول المحاكمات الجزائية اعتبارهم فارّين من وجه العدالة، وإنفاذ مذكرة إلقاء القبض بحقهم. وحضر الظنينان المخلى سبيلهما حسين ش. وحسن هـ. لكن تغيّبت الظنينتان جنان ع. وعبير ق. وحضر عنهما وكيلهما المحامي ربيع بزي. كذلك تغيّب الظنين ربيع ح. والظنينة هناء أ. ولم يحضر وكيلهما المحامي عماد يونس. تغيُّب الأظنّاء دفع برئيس هيئة المحكمة القاضي غالب غانم إلى استطلاع رأي ممثل النيابة العامة التمييزية، الذي أشار بضرورة إكمال الإجراءات التي تُمكّن المجلس العدلي من السير بالدعوى. استطلع القاضي وكيل الجهة المدّعية المحامي طلال الجردي فصرّح بأنه يترك الأمر للمجلس، كذلك فعل وكلاء المدعى عليهم المحامون ياسر علي أحمد وصلاح المصري وراغب شعبان، لكنهم طلبوا بتّ طلبات إخلاء السبيل خلال الأيام القليلة المقبلة، بعد أن يتقدموا بها، غير أن وكيل الموقوف صائب د. المحامي راغب شعبان طلب أن تعيّن الجلسة في موعد قريب، فردّ القاضي غالب غانم بأنه سيدرس طلبات إخلاء السبيل على ضوء المعطيات الموجودة في الملف لبتّها. بعد ذلك، تقرر إرجاء الجلسة إلى يوم الجمعة في 2/07/2010 عند الساعة الثالثة من بعد الظهر. أثناء انعقاد الجلسة نادى القاضي غانم على المدّعيَين وهما والدا الزيادين الضحيّتين، لم يكونا قد حضرا بعد، دقائق قليلة مرّت قبل أن يدخل منير غندور وحسين قبلان، مشى الاثنان جنباً إلى جنب. تقدّما بصمت وجلسا في المقاعد الموجودة في القسم الشمالي من قاعة المحكمة. إذاً تأجلت الجلسة رغم مرور نحو 3 أعوام على احتجاز الموقوفين، أمضاها 4 شبّان موقوفين بتهمة «المشاركة في جريمة قتل زياد الغندور وزياد قبلان». فقد أوقف أيمن ص. ومصطفى ص. وصائب د. ووسام ع. في نيسان 2007، وهم لم يخضعوا للمحاكمة، ما خلا قراراً اتهامياً صدر عن قاضي التحقيق العدلي مالك عبلا في 1/9/2008، اتّهم فيه أشقاء الضحية عدنان شمص باختطاف «الزيادين» ثم قتلهما في مكان لم تتمكّن القوى الأمنية بعد من تحديده، فيما نسب القرار الاتهامي إلى الموقوفين أنّهم شاركوا في الجريمة. حين انطلقت الجلسة الثانية للمجلس العدلي لمحاكمة أربعة موقوفين منذ ثلاث سنوات في جريمة قتل الزيادين، استبشرت ثلاث أمّهات وزوجة بالجلسة خيراً، فحضرن وهنّ يكتمن فرحة بأمل الإفراج عن أبناء ثلاثة وزوج، لكن تغيّب اثنين من الأظنّاء أجّل الجلسة نحو شهرين، وقلب الأمل غصّة.