جوي سليم«خوّفوني كتير من بيروت، قالولي كلها فلَتان»، تقول فاتن، الفتاة العكارية التي تدرس الإعلام في بيروت. تقارن كثيراً بين «حياتها الريفية» حيث كان لأخويها اللذين يصغرانها سنّاً السلطة في منعها من الخروج من المنزل، وتلك «المدينية». ألحّت كثيراً على أهلها ليرضوا بانتقالها إلى بيروت فـ«أمي خافت كثيراً. كيف لا وبيروت بالنسبة إلى محيطي هي مرتع الفحش والفساد. وإذا بنت عاشت لحالها، الناس بتحكي». كما «حاولت عمّتي التصدي لفكرة تسجيلي في جامعة مختلطة، وكأن هناك جامعة لجنس واحد فقط!». في النهاية، رضيت عائلتها لكن حذّرتها من الاختلاط بـ«أبناء المدينة». لم تَطِق بيروت في بادئ الأمر، حتى أنها تجنبت الاقتراب من إحدى زميلاتها لأن لها حبيباً، و«إذا عرفوا فيها بعكار بيقولوا الله يساعد أهلها».
لم تعد ترى في العاصمة مرتعاً للفحش بل مكاناً يتسع للجميع
كان كلام أهلها منحوتاً في رأسها، والخوف يهيمن على كل تصرفاتها.
لم تكن تتحدث مع أحد، حتى الحي الذي تقطن فيه «حبيت استكشفه بس دايماً كنت إرجع لمّا أوصل عآخرو، بخاف».
لكن، مع الوقت، اختلطت بزملائها، فاكتشفت أنهم مختلفون عن الصورة التي طبعتها عائلتها في رأسها.
شيء واحد أزعجها فيهم. كلهم ملمّون بالكومبيوتر والإنترنت، في الوقت الذي لم تكن هي تعرف أي شيء في هذا المجال، «لأنو بعكار كان بدي 100 حجّة تروح عالإنترنت كافيه». اليوم، أصبح لديها بريد إلكتروني، «بعد هيك حسّيت حالي فلتت»، تقول بتندّر.
ليس ذلك فقط. أصبح لديها حبيب أيضاً. «بأول العلاقة، كنت مرعوبة»، تقول، وتبوح: «لما باسني، حسيت بيروت خلتني أغلط، بس بعدين فهمت إنو تجربة طبيعي مرّ فيها». اليوم، أصبحت تحب بيروت كثيراً، فـ«بيروت شي كتير كبير. حرّرتني». لم تعد ترى فيها مرتعاً للفحش، بل مكاناً يتسّع للجميع. فهنا يمكنك أن تكون منحرفاً، كما يمكنك أن تكون معتدلاً. تتمنى أن تزور مسارح بيروت وسينماتها، لكن ذلك يبدو مستحيلاً «بما إنو عائلتي لاحقتني لهون، فهي تأخذ مني برنامج تحركاتي اليومية وتحذّرني من التجول ليلاً في شوارع المدينة!».