رغم أن الجمارك اليابانية تموّل تدريب زميلتها اللبنانية لتصبح «جمارك خضراء»، إلا أن الأخيرة لا تزال بعيدة جداً عن هذا التوصيف. كيف نجح البلغاري فيريس آي. آي في تهريب 108 ببغاوات أفريقية نادرة عبر مطار رفيق الحريري الدولي؟ سؤال للمعنيّين، ومنهم وزير الزراعة حسين الحاج حسن الذي وعد بفتح تحقيق
بسّام القنطار
من جديد، يشرّع مطار رفيق الحريري الدولي أمام الاتجار غير المشروع بالحيوانات البرية المهددة بالانقراض. رائحة الفضيحة فاحت هذه المرة من بلغاريا، حيث أعلنت سلطات الجمارك في مطار صوفيا مصادرة 108 ببغاوات من نوع «جايكو»، وهي ببغاوات أفريقية رمادية اللون، موطنها الأصلي في الكونغو.

وقد وصلت الببغاوات على متن رحلة جوية قادمة من بيروت، ليتّضح أن صاحب الشحنة يدعى فيريس آي. آي (39 عاماً) البلغاري الجنسية، لم يتمكن من تقديم جميع الوثائق المطلوبة إلى السلطات الجمركية، بما في ذلك شهادة «السايتس» الأصلية (التي تنظّم الاتجار بالحيوانات المهددة بالانقراض)، ما يمثّل انتهاكاً للمرسوم (إي سي) رقم 338/1997 لمجلس الاتحاد الأوروبي في 9 كانون الأول 1996 بشأن حماية أنواع الحيوانات والنباتات البرية عبر تنظيم تجارتها.
وتصنّف طيور الببغاء من نوع «جايكو» في خانة الحيوانات المحميّة، ويراوح سعرها في سوق السوداء في الاتحاد الأوروبي بين 1000 و1800 يورو. لذلك، فإن قيمة الشحنة التي احتجزت في مطار صوفيا تقدر بنحو 200 ألف يورو. وقد صودرت الببغاوات وأرسلت على الفور إلى حديقة حيوانات صوفيا. عند فتح الأقفاص في وحدة الحجر الصحي في حديقة الحيوانات، اتضح أن هناك 108 طيور، مات واحد منها.
وتتعرض الببغاوات لمخاطر تزيد على ما تتعرض له أي عائلة أخرى من الطيور. وهناك نحو 335 صنفاً منها، بدءاً بالببغاء الصغيرة، مروراً بالبراكيت، الببغاء الأوسترالية، وانتهاءً بببغاء ماكاو الأميركية الكبيرة. وهي تتضمن أيضاً طيور الحب وببغاء كوكتيل الأوسترالية والببغاء ذات العرف وببغاوات الأمازون والببغاوات الأفريقية الرمادية وأنواعاً أخرى.
وتقدر التجارة العالمية في الحيوانات البرية التي تباع جلودها وأنيابها وعظامها بين 10 مليارات دولار سنوياً و20 ملياراً لتأتي في المرتبة الثالثة بعد تجارة الأسلحة غير المشروعة وتهريب المخدرات.
رئيسة جمعيّة «حيوانات لبنان»، لانا الخليل، طلبت من وزير الزراعة د. حسين الحاج حسن أن يفتح تحقيقاً في الحادثة، لأنها تعدّ انتهاكاً خطيراً لاتفاقية سايتس. ولفتت الخليل إلى أن مصادرة هذه الشحنة من الببغاوات تسلط الضوء أكثر على حقيقة المعلومات التي تشير إلى أن المعابر الحدودية اللبنانية تستخدم لتهريب الحيوانات البرية. وكانت جمعية حيوانات لبنان قد وثّقت حالات أخرى من نقل الببغاوات عن طريق مطار رفيق الحريري الدولي أواخر عام 2009، ومعظمها يتم نقلها من أفريقيا إلى دول أوروبا الشرقيّة، ويستفيد المهرّبون من مطار بيروت لأن لبنان ليس عضواً بعد في اتفاقية سايتس، وغالباً ما يجهل موظّفو الجمارك طبيعة الإجراءات المطلوب اتخاذها للتأكد من صحة الأوراق التي ستسمح بمرور هذه الحيوانات عبر المرافق اللبنانية.
ورغم أن السلطات الجمركيّة البلغارية لم تعلن عن شركة الطيران التي نقلت الشحنة، فلقد أمكن «الأخبار» التأكد من أن شركة طيران الشرق الأوسط ليس لها أي ارتباط بهذه الشحنة لأنها لا تسيّر خطوطاً بين بيروت وبلغاريا. وبعد التدقيق في الرحلات الدورية بين البلدين، تبيّن أن شركة «تاروم»، وهي الناقل الجوي الرسمي لرومانيا، لديها رحلة يوم الجمعة من بيروت إلى بلغاريا ـــــ صوفيا مع توقف واحد. كما أن شركة الطيران البلغارية لديها رحلة منتظمة يوم الخميس. وقد حاولت «الأخبار» الاتصال بممثلي الشركتين في بيروت، لكنها لم توفق في ذلك.
الوزير الحاج حسن أكد لـ«الأخبار» أن الوزارة ستفتح تحقيقاً في الحادثة، وستتخذ الإجراءات الملائمة لمنع حدوثها مرة أخرى، لافتاً إلى أن مثل هذه الحوادث لا يمكن تفاديها قبل أن ينضمّ لبنان رسميّاً إلى اتفاقية سايتس ويصدّق عليها.
وقد شاركت وزارة الزراعة في «مؤتمر الأطراف» الخامس عشر لاتفاقية سايتس الذي عقد أواخر شهر آذار الماضي في العاصمة القطرية الدوحة، حيث أبلغ الوزير الحاج حسن إدارة الاتفاقية رغبة لبنان الجادة في الانضمام إلى الاتفاقية.
لكن الانضمام إلى اتفاقية سايتس لا يعني أن المعابر الحدودية اللبنانية ستصبح جاهزة لرصد حالات الاتجار غير المشروع بالحيوانات. فما بين المسموح به والممنوع مسافات شاسعة، والمطلوب هو بدء تدريب عناصر الجمارك على معرفة كل ما يتعلق بتطبيق الاتفاقية. ومن اللافت أن الجمارك اليابانية هي التي بدأت بهذه المهمة، وموّلت ورشة عمل نظّمتها منظمة الجمارك الخضراء (مكافحة الجرائم البيئية) وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، الأسبوع الماضي، في معهد باسل فليحان المالي، بمشاركة مسؤولين جمركيين من نحو عشر دول عربية، وشملت التدريب على مكافحة الجرائم البيئية الحدودية، ومن بينها الاتجار غير المشروع بالحيوانات. ويطرح سؤال عن الدوافع التي تجعل الحكومة اليابانية مهتمة بتدريب السلطات الجمركية العربية على مكافحة الجرائم البيئية؟ ببساطة إنه الدفاع عن طبق السوشي، الذي يستخدم في مكوناته زعانف التونة الزرقاء، التي نجحت اليابان في منع إدراجها على قوائم سايتس في مؤتمر الدوحة الأخير، برغم وجودها في دائرة الخطر، وذلك بعدما نجحت في كسب أصوات الدول العربية. ولرد الجميل، بدأت اليابان بتسديد الفاتورة، وباكورتها «جمارك خضراء» لا تزال تعاني عمى ألوان عند مشاهدة ببغاوات رمادية في مطار بيروت.


القائمة الحمراء

تنظّم إدارة اتفاقية سايتس تجارة جميع الأنواع برخص استيراد وتصدير أو إعادة تصدير. وبحسب هذه الاتفاقية، فإن معظم أصناف الببغاوات محميّة، وعلى رأسها ببغاء «جايكو» الأفريقية الرمادية اللون. وتتضمن «القائمة الحمراء» للاتحاد الدولي لصون الطبيعة 94 نوعاً من الببغاوات تعدّ حالياً في وضع حرج أو معرّضة للانقراض أو تواجه مخاطر شديدة تدفعها إلى الزوال. وهناك أنواع فرعية كثيرة معرضة لخطر الاختفاء الأبدي. والسبب الرئيسي هو تدمير الغابات وأسر أعداد كبيرة من الببغاوات البرية لتصديرها والاتجار بها والاحتفاظ بها كحيوانات في المنازل.