خالد الغربيالعاصفة الهوجاء تجتاح الشارع الصيداوي. العاصفة هنا ليست مطراً ولا رعداً، بل هي من نوع آخر: من النوع الثوري، تزامنت مع الذكرى الخامسة والعشرين لتحرير صيدا. فمنذ أيامٍ تقريباً انتشرت في بعض شوارع المدينة كتابات خُطّت باليد، وتضمنت شعارات ثورية تشبه ما كانت عليه تلك الشعارات في سبعينيات القرن الماضي وثمانينياته. ولم يذيّلوا شعاراتهم بتواقيعهم، تاركين العنان للخيال لتكهّن هوياتهم، لكنها شعارات توحي بـ«شيوعية ما»، كما يقول أحدهم. ففي إحدى زوايا الشارع، نشاهد شعار «ثائر حار يأكل النار»، ورسماً لمنجلٍ ومطرقةٍ باللون الأسود كُتب بجانبه «العاصفة الثورية الهوجاء». في مكانٍ آخر ثمة «إعصار ثوري» وباللون الأسود أيضاً. وتنوعت الدعوات في هذه الشعارات بين النصح الاجتماعي للمواطن وتحذيره بأنّ «من اشتراه.. باعه»، لتخلص بعضها إلى نتيجة مفادها «رفض شراء الذمم والضمائر رفضاً مطلقاً»، وإلى «الاشتراكية ضرورة لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة لأنه لا يجوز أن تكون المعادلة القائمة في لبنان: كل غني يساوي حارة معتّرين»، وإما دعوة لجمول «التي وُجدت لتنتصر»، والتي حظيت بنصيب وافر من الكتابات. أمّا قمة «التوهج الثوري» في تلك الشعارات والكتابات المخطوطة فهي «شيوعي + ناصري = الثورة القادمة.. الوطن أو الموت». لكن، حتى هنا «الثائرون» لم يتفقوا على دعوة واحدة، فواحدة تدعو إلى «القومية العربية»، وأخرى تدعو إلى «الأممية»، وثالثة إلى الثورة، لكنّ أحد الشعارات المرفوعة يجيب بشكل أو بآخر عن هذه التساؤلات في عدم التجانس الفكري، إذ يقول الشعار «يا ثوار لبنان إلى أيّ عقيدة انتميتم اتّحدوا».
هل هي نوستالجيا إلى زمن كان فيه للشعارات الثورية معنى ومضمون؟ نسأل أحد الذين شاركوا في كتابة هذه الشعارات على الجدران في زمن السبعينيات، علي وهبي، فيرد بأنّ «الزمن لم يتغير في مضمونه، فهذه الشعارات لم تتأثر ولن تتغير طالما أن الصراع مع الرأسمالية والصهيونية ما زال مفتوحاً على مصاريعه». يحنّ وهبي إلى أيام الكتابة على الجدران، فيعلّق قائلاً وهو ينظر إلى أحد الشعارات «شو بدك، الكتابة على الجدران أحلى وسيلة، كانت أيام».