أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً. بعدما احتضنت جامعات العالم «أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي» منذ 2005. تحتضنه اليوم الجامعة الأميركية في بيروت وسط رهانات كثيرة
رنا حايك
كان رهان متعدد الوجوه على نحو 20 طالباً نظموا الحدث: بدءاً من انتزاع الحق بإقامة النشاط داخل الجامعة الأميركية، وإيجاد التمويل له، مروراً بالنجاح في إثارة الحراك في حركة طالبية غارقة في السبات، أو في الخوف من الضلوع بأي نشاط سياسي (فاق عدد الطلاب الأجانب الذين نظموا الحدث بكثير عدد العرب منهم)، وصولاً إلى عدم «استنساخ» نشاط يقام منذ 2005 في جامعات غربية بل تطويع أدواته ومضمونه بما يناسب بلداً عربياً يقام فيه للمرة الأولى.
«ما كان فينا نكون أقل ثورية وراديكالية بطروحاتنا من أي جهة أجنبية سبق أن نظمت النشاط» كما يقول خليل عيسى، أحد المنظمين. هكذا، ترتّب تقليص المساحة المعطاة للفصل العنصري في جنوب أفريقيا كنموذج نظراً لكونه المثال الأسطع بالنسبة إلى الغرب، لكنه ليس كذلك بالنسبة إلى بلد هو في قلب الصراع، إضافة إلى أن المعطيات مختلفة في الحالتين الجنوب أفريقية والفلسطينية، وهو عموماً نقاش أفردت له محاضرة كاملة يوم أمس.
قاربت جميع الفعاليات التي تمتد لأسبوع، وتختتم نهار السبت المقبل، تلك التي سبقتها في العواصم الغربية، ولكن، من موقع مختلف هذه المرة. ففي بلد عربي، لا يجوز أن تقتصر النقاشات على الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل في الأراضي المحتلة، أي الضفة وغزة، كما يتناولها الغرب. هنا «نتكلم عن الفصل العنصري أيضاً في أراضي 48. ندعو إلى إقامة دولة واحدة، يرحب بالسكان اليهود الذين ينوون البقاء فيها، على أن يخضعوا للشروط نفسها التي يخضع لها الفلسطينيون»، كما يقول عيسى، رغم اعترافه بصعوبة تحقيق هذا الطرح. إلا أن النزوع نحو المزيد من الراديكالية والثورية لم يستتبع دعوة إلى الانعزالية والتقوقع، بل بالعكس، فقد ركّزت جميع المحاضرات على ربط القضية الفلسطينية بقضايا أخلاقية وإنسانية عامة بقصد تعميمها. هكذا، ركز الأستاذ المحاضر في كلية الزراعة في الجامعة الأميركية، الزميل رامي زريق، والأستاذة في علوم البيئة في جامعة البلمند رانيا المصري، في محاضرتهما عن «الدمار البيئي الإسرائيلي»، على مدى الأضرار التي تسبّبها الحروب الإسرائيلية في فلسطين وفي لبنان. لم يخف على المصري خلال عرضها صورة طائر نافق في بقعة زيت في البحر الذي لوثته الحرب الإسرائيلية الإشارة إلى أن هذه الصورة «تهزّ ضمير المشاهد الغربي أكثر مما تفعل صورة الأحياء المدمرة». لنقل القضية إلى العالمية، يجب تحديث الأدوات، والتعامل مع قضية فلسطين لا كقضية محلية بل «كنضال من أجل العدالة ومن أجل نوعية حياة جديرة بالإنسان وكفكرة مركزية تتقاطع مع أفكار أخرى ذات طابع قيمي وإنساني عالمي»، كما جاء في محاضرة الكاتبة نهلة الشهال، تحت عنوان «ربط النضال ضد الصهيونية والإمبريالية». في تلك المحاضرة، أكدت الشهال أن اتفاقية أوسلو انتهت، وأن وظيفة التسوية السلمية للصراع لم تكن من الأساس سوى إطلاق آلية تدجين للحركة الفلسطينية لم يكن من شأنها سوى تحويل السلطة الفلسطينية إلى وكيل لإسرائيل في أراضي السلطة، ما يستتبع اليوم ضرورة حل السلطة لتعود إسرائيل إلى موقعها التاريخي: جهة استيطانية كولونيالية يجب مقاومتها، ليس عسكرياً فحسب، بل بالوسائل المدنية أيضاً، كحملات المقاطعة والمحاسبة، ذوداً عن فلسطين، وعن مفاهيم أساسية عالمية تتعلق بالعدالة، يقوم به كل من يبحث عن عالم آخر، أفضل».
هنا، كسر صمت القاعة صوتٌ طالب بـ«إعادة النظر في حركات المقاومة، الدينية والرجعية والدموية وكيلة الـCIA في بعض الأحيان، في مقابل مقاومة الشيوعيين المؤدلجين». وهنا أيضاً، علا تصفيق حاد في الصالة، ليس على التعليق، بل على إجابة الشهال: «المقاومة هي مقاومة. أعجبتنا أيديولوجيتها أم لم تعجبنا. قد ننتقد، وأنا أول من ينتقد، لكننا نعتنق المقاومة بكل أشكالها. المقاومة العسكرية هي حق للشعوب، ونحن لسنا دمويين، لكننا ندافع عن أنفسنا في ظل سقوط التسوية». عندها،

حين ندافع عن فلسطين ندافع عن أنفسنا وعن قيمنا ومستقبلنا

ذكّرت الشهال بهو شي منه الذي «أدمى قلبه» قتل مقاومته للجنود الأميركيين الذين كانوا يقصفون بلده بالنابالم، وذكرّت صاحب التعليق كيف أن الحزب الشيوعي العراقي كان على ظهر الدبابات الأميركية مثل حزب الدعوة في العراق، قبل أن تحث الشباب على إكمال مسيرة بدأ الصهاينة يخافونها كما جاء في تقرير روتر الأخير الذي أبدى تخوفه من النشاط الجامعي الذي ينشر الوعي بالمجازر والتجاوزات الإسرائيلية. ففي النهاية «نحن لا ندافع عن فلسطين، بل عن أنفسنا وعن قيمنا وعن مستقبلنا»، اختتمت. اهتم الشباب بالسؤال عن «حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات والمساءلة» وبوسائل تعزيزها ونشر الوعي بها، بينما لفت المحاضر عامر جبران، الناشط الفلسطيني الذي غادر أميركا بعدما لوحق فيها بسبب نشاطه المدني والسياسي، نظرهم إلى اسم منطقتنا في المعجم الأميركي: «منطقة القيادة الوسطى». في وسط قاعة من قاعات جامعة أميركية، اختتم المحاضر كلمته باستنتاج أن «أميركا شر مطلق». ربما شر ما فيها أنها تضمن استمراريتها بعدم اتباع سياسة كمّ الأفواه، التي لن تتحول إلى تهديد فعلي إلا حين تتخطى الهتاف، وتقذف ناراً.


جون هايدن: من تورونتو إلى الأميركية

لم يجد الطلاب الدعم المادي والمعنوي بسهولة لإقامة نشاطهم، لكن التحديات كانت حتماً أقل من تلك التي واجهها جون هايدن، حين نظم الأسبوع للمرّة الأولى في تورونتو عام 2005 وتصدت له ولزملائه النوادي الصهيونية وإدارة الجامعة هناك. بعدما درس في جامعة بيرزيت، يتابع اليوم هايدن دروسه في الأميركية ببيروت التي يعتبر أن تنظيم الأسبوع فيها هو بمثابة «فرصة لها لاحتلال موقع قيادي بين الجامعات».