عادت مجدل عنجر إلى واجهة الحدث السياسي والأمني، محتلةً الحيّز الأكبر في سلّم اهتمامات جهات لبنانية وإقليمية، أمنية وسياسية، وتوليها سفارات غربية جلّ اهتماماتها بالتعاون مع قادة في السلطة السياسية، متهمين بمحاولة بيع البلدة لواشنطن تحت شعار محاربة الإرهاب
عفيف دياب
تراقب سفارات وأجهزة استخبارات غربية عن كثب ما يجري في مجدل عنجر، من كرّ وفرّ بينها وبين الأجهزة الأمنية اللبنانية المختلفة والمتنوّعة. وقد تحولت البلدة إلى حلبة تنافس وصراع أجنحة بين أجهزة أمنية رسمية يقع ضحيتها أبناء البلدة، الذين يسهم بعضهم عن حسن نية، وبعضهم الآخر بهدف سيّئ، في توريط بلدتهم بقضايا وصراعات سياسية وأمنية لا علاقة لهم بها. مجدل عنجر بوابة لبنان إلى سوريا وبالعكس، وُضعت تحت المجهر الأمني منذ مقتل إسماعيل الخطيب في أحد سجون الدولة اللبنانية سنة 2003 جرّاء التعذيب، ما مثّل شرارة انفجار علاقة المجدل بالدولة وأجهزتها الأمنية، وتقفز هذه القضية إلى الواجهة مع كل توتر بين الطرفين. بعض قادة الأجهزة الأمنية يتحدثون عن «تحول البلدة إلى بؤرة للإرهاب، وممرّ ومستقر وقاعدة انطلاق لمجموعات أصولية وتكفيرية تشبه في بعض جوانبها تلك الموجودة في مخيم عين الحلوة»، ويضيفون إنّ التحرك الأمني لضبط ما سمّوه «الفلتان» في البلدة «ليس تجنّياً على مجدل عنجر، بل هو لإنقاذها ممّا يخطَّط لها، ويؤدي إلى إلحاق الأذى بالأهالي جميعاً». القادة الأمنيون الذين يتحدثون بقسوة عن مجدل عنجر، لا يُخفون في المقابل وجود «دعسات» ناقصة ارتكبتها أجهزة أمنية، حيث يقول أحدهم إن «التوتر الأمني المتزايد بين الطرفين كان سبباً رئيسياً في رفع منسوب الأخطاء التي ارتُكبت من جانبنا ومن جانب بعض الأهالي. نحن لا ننسى المساعدة التي قدّمها إلينا الأهالي لضبط أمور أمنية وتسليم بعض الأشخاص للاستماع إليهم لأخذ المعلومات، وتكوين صورة دقيقة عمّا يجري داخل مجموعات متشدّدة في البلدة، أو تلك الدخيلة على نسيجها، أو لتكوين فكرة واضحة عن غرباء غير لبنانيين يتّخذون من البلدة مقر إقامة مؤقّتة لهم»، ويؤكّد «لقد أطلقنا سراح معظم الذين كان يُعتقد أنهم متّهمون بقضايا أمنية أو غيرها». ويضيف المسؤول «لا يمكن أن أُخفي وجود أخطاء سبّبت إعاقة عملنا، وأسهمت في تراجع مستوى تعاون الأهالي».
انزعاج أهالي مجدل عنجر من تكرار أخطاء بعض أجهزة الدولة الأمنية بحق بلدتهم أُبلغ مباشرةً إلى قائد الجيش العماد جان قهوجي، الذي استقبل وفداً منهم يوم أمس في اليرزة، وقد «حُكي كل شيء»، وقال أحد أعضاء الوفد لـ«الأخبار» إن قيادة الجيش أكدت أهمية ترتيب الأمور وإعادة بناء الثقة بين الطرفين، وأضاف «لقد أبلغنا قيادة الجيش التصرفات الفجّة التي مارسها عسكريون بحق بعض الأهالي، ولمسنا عدم رضى القيادة عن تصرفات بعض العسكريين، ووُعدنا بأن يكون التحقيق في بعض هذه الممارسات نزيهاً وشفّافاً». وفد مجدل عنجر طالب الجيش بـ«عرض الأسلحة التي قيل إن أحد أبناء البلدة كان يهرّبها من سوريا»، وأوضح مشاركون في الوفد أنهم قالوا للجيش إن «الإيحاء بوجود مهربين للأسلحة في مجدل عنجر ينافي الحقيقة، ويهدف إلى وضع بلدتنا في «بوز» المدفع، وإلصاق تهمة الإرهاب بنا، وقد لمسنا أيضاً من قيادة الجيش بطريقة غير مباشرة وجود قطبة مخفيّة هدفها زعزعة الثقة بين الطرفين، وقد وُعدنا بإجراءات سيتّخذها الجيش لم نعرف طبيعتها». عضو في الوفد لفت إلى أنّ قيادة الجيش تحدّثت عن أهمية التعاون، فـ «رددْنا بالقول إننا كنا ننوي تسليم 3 مطلوبين بناءً على طلب الجيش، ولكن مقتل أحمد عبد الفتاح (مهرّب الدخان)، واتهامه بتهريب أسلحة أول من أمس أعادا خلط الأوراق، ولم نعد نستطيع إقناع المطلوبين بتسليم أنفسهم».
متابعون سياسيون لملف مجدل عنجر يتحدثون عن «صراع أجنحة داخل مؤسسات أمنية رسمية ينعكس سلباً على هذه البلدة وغيرها في لبنان». يقول أحد المتابعين إن ثمة من يسعى إلى تغيير «عقيدة» الجيش المعتمَدة منذ ما بعد اتفاق الطائف، مشيراً إلى أن «سفارات غربية، وفي طليعتها السفارة الأميركية، تعمل مع جهة سياسية تتولى حقيبة أساسية في الحكومة، وذلك بهدف تكوين «لوبي» داعم لفكرة تغيير عقيدة الجيش وأجهزة أمنية أخرى، ما أدى إلى صراع خفيّ بين مؤيد ومعارض، بدأت تظهر بوادره في مجدل عنجر، التي تعدّ وفق الاستخبارات الأميركية مقراً لإسلاميّين متشددين». ويضيف المتابع إن «هناك متولّي حقيبة أساسية في الحكومة وله مصلحة في الانتقام من هؤلاء «المتشددين» ومن البلدة عامة... لكنّ تواصُل الهجمة على البلدة سيؤدي إلى ردّ فعل شعبيّ يسهم في إذكاء نار الفتنة»، ويسأل متابع لـ«ملف» مجدل عنجر «لمصلحة من إيعاز جهاز أمني رسمي بتسريب خبر إعلامي عن اصطدام الجيش مع مجموعة كانت تهرّب السلاح من سوريا قبل يومين؟ ومقتل أحد أبناء البلدة، رغم معرفة هذا الجهاز الأمني أن المواد المهربة هي كميات من الدخان؟ أليس الإيحاء الأمني بأنّ الجيش قتل مهرّب أسلحة دليلاً على نيّات غير صادقة في إنهاء ملف مجدل عنجر، ووضعه في إطاره الأمني والقانوني والقضائي الصحيح والواقعي؟ أم أن المقصود تكبير القضية لتبرير الهجمة على البلدة وتحويلها إلى نهر بارد جديد؟». يكشف هذا المتابع السياسي أن قوى حزبية لبنانية ومعها سورية «تتابع بقلق ما يجري في مجدل عنجر... بعضنا بات مقتنعاً بوجود أصابع غربية في تأجيج التوتر في البلدة، لا بد من الإسراع في حسم صراعات الأجنحة داخل مؤسسات أمنية لبنانية، ووضع حد لتمادي تدخل سفارات غربية في شؤونها، وتأليب بعض الضباط على بعض. فمن مصلحة لبنان أن تبقى الأجهزة الأمنية متماسكة، وتعمل وفق عقيدة وطنية لمواجهة اختراقات أجهزة استخبارات غربية وإسرائيلية ليومياتنا السياسية والأمنية، وحتى الاجتماعية. غير مسموح لبعض السياسيين

وفد مجدل عنجر للجيش: نرفض وضعنا في «بوز» المدفع واتهامنا بالإرهاب

بالعمل وفق أهواء مصالحهم الشخصية... من غير المسموح به أيضاً أن نعيش قلَقاً دائماً على حياة أولادنا وبلداتنا كرمى لـ«عيون سفارة أجنبية»، أو لطموحات وزير تصرّفاته تثير الريبة».
بدوره يتهم وزير الدفاع السابق عبد الرحيم مراد جهات سياسية لبنانية ـــــ رافضاً تسميتها ـــــ بالعمل على «بيع مجدل عنجر إلى الولايات المتحدة، والقول لها إننا نحارب الإرهاب»، داعياً إلى «التفتيش عن الرأس المدبّر لإحداث فتنة بين أهالي البلدة والمؤسسة العسكرية، التي تلقى كل الترحيب والتعاون من الأهالي»، يضيف «للأسف بعض القادة السياسيين في لبنان، وهم حالياً في السلطة، يرون أنّ كل أهالي مجدل عنجر مجموعة إرهابية. كان يجب أن نفتح هذا الملف منذ مقتل الخطيب، وحين حاول البعض تقديم أوراق اعتماد إلى السفارة الأميركية في بيروت على حساب أبرياء». استغرب مراد ما سمّاه «التصعيد ضد مجدل عنجر» في الوقت الذي «تبدي فيه كل تعاون وثقة بالمؤسسة العسكرية»، آملاً وضع حد «لهذا التطرف السياسي الموجّه ضد مجدل عنجر. فالبلدة اقتُحمت قبل أيام من أجل موقوف وللأسف عومل العجزة وكبار السن بخشونة غير مقبولة، وإذا كان البعض في السلطة يريد بيع مجدل عنجر إلى واشنطن فليبحث عن مكان آخر يرضي فيه غروره السياسي».


قنبلة دخانية

أبلغ وفد مجدل عنجر قائد الجيش جان قهوجي استياء الأهالي من تصرف عسكريين مع عجزة وكبار في السنّ، وضرب حسن الخطيب (86عاماً) وتقييده وتركه ينزف أكثر من 3 ساعات. فرد قهوجي بأن الخطيب قذف قنبلة دخانية على الجيش، وهنا تدخّل أحد النواب، الذي كان في عداد الوفد، مبلغاً قائد الجيش أنه بصفته طبيباً ويعالج الخطيب «نضطر حين يزورني في عيادتي للمعالجة إلى نقله بعربة لأنه يعجز عن المشي، فكيف يستطيع قذف قنبلة دخانية برجليه؟». فردّ قهوجي بأنّ الأمر يحسمه تحقيق الشرطة العسكرية. صدر بيان عن بلدية مجدل عنجر تضمّن نفياً لحصول تبادل إطلاق نار بين مهرّب من البلدة والجيش. وجاء في البيان «إن مجموعة من الشبان من البلدة والقرى المجاورة، بينما كانت تجتاز الممرات الترابية ببعض البضاعة المهربة من دخان ومواد غذائية على «الدوابّ» تعرّضت لإطلاق نار من جانب الجيش، ما أدى إلى مقتل أحمد عبد الفتاح وإصابة آخر، ولم يصدر من هؤلاء الشبان أيّ إطلاق نار، ولم يكن بحوزتهم أسلحة».