تتباهى نساء تعاونية دير قانون رأس العين بتحضيرهن صنفاً من أصناف المأكولات التراثية التي كادت صناعته تنقرض لولا إصرارهن وعملهن الدؤوب على إعادة إحيائه، اسمه «ملّة السميد». وهو صنف، ما إن بدأن بصناعته وتسويقه، حتى حاز إعجاب المستهلكين وأصبح في غضون فترة قصيرة بمثابة كنز من كنوز التعاونية يصدّر إلى بلدات الجوار، فأعيد إحياؤه، بعدما كانت البلدة التي اشتهرت بصناعته، على قاب قوسين أو أدنى من فقدانه. فقد كانت رأس العين تشتهر بصناعته منذ عقود طويلة، لا سيما بهدف تزويد المسافرين من أهلها به ليقيتهم في رحلاتهم الطويلة إلى الحج أو إلى بلاد الشام وفلسطين والعراق. وقد توارثت الأجيال صناعة «الملة» وحافظ الصنف خلال عقود على لقبه كـ«رفيق السفر»، لأنه يدوم لأسابيع من دون أن يفسد حتى لو لم يبرّد.
وبالنسبة لتسميته، فإن كلمة الملة كانت تطلق على خبز التنور سابقاً. أما السميد أو البرغل فإنه أحد مكوناته، بالإضافة إلى طحين القمح والسمسم وزيت الزيتون والملح التي تخلط بعضها ببعض بعد إضافة الماء إليها وتغطى وتترك لساعات حتى تخمر. هذا من ناحية المكونات، أما للتحضير، فيلجأ بعدها إلى تقطيع العجينة إلى دوائر بأحجام مختلفة ترق بعدها وتوضع في التنور أو الفرن لحوالى ربع ساعة حتى تنضج.
في السابق، كانت الملة تخبز في التنور الذي يحفر في الأرض بشكل دائري ويحاط بأغصان البلان وتلقى قطع العجين في وسطه. وتدريجياً، تحول البعض لخبزه في صاج على الحطب، كما يُعدّ الخبز المرقوق.
إلا أنه، في العقود الأخيرة، تلاشت صناعة خبز ملة السميد في البلدة، إلى أن اقترحت زهيرة مرتضى، إحدى نساء الجمعية، إعادة إحيائه وجعله منتجاً يميز مركز رأس العين عن عشرات التعاونيات الأخرى في لبنان التي تتشابه في تصنيع العصائر والمربيات والمقطرات. وكانت زهيرة، كمثيلاتها من نساء القرية، قد تعلمت صناعته من والدتها رمزية شحادة (78 عاماً) التي بدأت بصناعته مذ كانت في الخامسة عشرة من عمرها. فالوالدة، وغيرها من النساء المنتميات إلى الأجيال السابقة، يتقنّ إعداد الملة ولكن همتهن قد تراجعت لما يتطلبه تحضير طبق يشتهينه من تعب لم يعدن جاهزات لتحمله. الحاجة خديجة محسن (73 عاماً) مثال على تلك الفئة، فهي تقر بأنها وقريناتها قد فقدن «الهمة لصناعة الملة بسبب الجهد الذي تحتاجه في مقابل سهولة صنع الخبز الخالص الذي يصل إلى البيت يومياً». في المقابل، تعترف بأن الجمعية أسعفتها لأنها لا تزال تشتاق لتذوقه، إذ أصبحت تشتريه جاهزاً منها، مع إصرارها، كما تقول ضاحكة، بأن «مذاقه في السابق كان أطيب وفيه بركة».
أمال...