تضيء قصة سجين «متمرد» قضى في السجون عشرة أعوام، على مشاكل نزلاء الزنازين في لبنان وما يعانونه، كما تلفت إلى العلاقة الصعبة بين السجناء وإدارة السجون
آمال خليل
«إذا كان أحمد (الاسم مستعار) قد قاد أعمال تمرد وشغب في كل سجن نُقل إليه خلال احتجازه مدة 12 عاماً، فما الذي قد يصدر عنه بعدما أُفرج عنه وبات حراً؟» سؤال يشغل بال العائلة والأقارب.
أُلقي القبض على أحمد حين كان يبلغ من العمر 17 عاماً، أوقف في مخفر الطريق الجديدة بتهمة محاولة قتل شخص بإطلاق النار عليه. الرجل لم يقتل حينها، بل توفي بعد أربعة شهور من الحادثة متأثراً بمرض السرطان.
أوقف الشاب سنة كاملة في النظارة حتى بلغ سن الرشد، قدم بعدها إلى المحاكمة كأنه ارتكب الجرم حديثاً، وصدر «بسرعة» حكم بحبسه عشر سنوات.
في سجن رومية أو «غابة المفترسين» كما يصفه، يقول أحمد إنه نال نصيبه من «الضرب المبرّح بالكرباج، والإجبار على التعري والتعذيب بالبلانكو، والحرمان من الطعام والشراب أياماً، وحلق الشعر والشتائم في الزنزانة الانفرادية». وفي الزنزانة الجماعية المكتظة بالعشرات، وجد أحمد نفسه أمام مواجهة صعبة مع الحيتان: «الكبير يأكل الصغير، فإن لم تأكلهم أكلوك». سرعان ما تحوّل إلى زعيم بعضلاته وبشفرته الحادة «في مقابل الزعماء بالنفوذ والأموال والطوائف».
لم تمرّ ثلاثة أشهر على إقامة أحمد في رومية حتى «كانت الانتفاضة للمطالبة بتحسين ظروف السجن والطبابة ونوعية الطعام، وتخفيف الاكتظاظ في الزنازين الرطبة، حيث لا يوجد فُرش كافية للسجناء، أو سخّان للطعام وتلفاز وراديو...»(في تسعينيات القرن الماضي). ومع ستة من «الرؤوس الكبيرة»، وضع أحمد مخطط «تمرد» آذار 1998 وقاد حوالى ألفي سجين للمطالبة بإقرار المادة 108 لخفض العقوبات. يقول السجين السابق «توفير مطالب بسيطة كان إبرة البنج الأولى التي تلقّيتها في رومية».
في الزنزانة الجماعية المكتظة وجد أحمد نفسه أمام مواجهة صعبة مع الحيتان
... بعد أسبوع، وُزّع أربعة من «الرؤوس» على سجون المناطق كنوع من التأديب والعقاب. نُقل أحمد إلى سجن طرابلس، وهناك كانت «الأوضاع المزرية أسوأ مما هي عليه في رومية» ما دفع بأحمد، والآخرين الذين نُقلوا إلى سجون المناطق، إلى الانتفاضة مجدداً للعودة إلى السجن المركزي، والمطالبة بتحسين ظروف السجون. عاد أحمد إلى سجن رومية «الذي لم يتغير، فحان موعد الانتفاضة الأكبر في نيسان 2008»، «انتظر السجناء موعد الجولة اليومية للحراس فانقضّوا عليهم واحتجزوهم كرهائن في غرفة واحدة. خلعوا أبواب الزنازين، وقطعوا أسلاك الهاتف الداخلية، واقتحموا مطبخ السجن وحملوا منه السواطير مهدّدين بقتل أنفسهم والعناصر الأمنية. استنفرت حينها القوى الأمنية، وتدخلت مروحية حامت فوق السجن وبدأت بإنزال عناصر كوماندوس. فصنعوا قنابل مولوتوف وهاجموهم لكي يتراجعوا». وبعد سيطرة قوى الأمن على السجن نُقل أحمد إلى سجن النبطية، حيث نظّم «تمرداً جديداً»، وشطّب نفسه للعودة إلى رومية، لكنه نُقل إلى راشيا، وبقي فيها أقل من عامين، ثم انتهت محكوميته.
يقول أحمد إن إدارة سجن راشيا قايضته بالمعاملة الجيدة لقاء عدم التسبّب بمشاغبات وتمرد بين السجناء، فقرر التفرغ للسجناء «المقطوعين والمساكين» والاهتمام بهم. يقول «استغللت نفوذي لأضغط من أجل توفير الاستشفاء للبعض، وبعض الأغراض لآخرين».
تدمع عينا أحمد وهو يتذكر «حوادث الظلم الكثيرة التي تشهدها السجون»، تخنق الغصّة صوته، يقول: «كنا أمواتاً في زريبة، وأجبرنا التعاطي معنا كحيوانات على أن نفقد قيمة حياتنا وإنسانيّتنا».
دخل أحمد سجن رومية متَّهماً بجريمة قتل قال إنه لم يقترفها، لكنه خرج منه حاملاً «شهادة مسجلة في فنون القتل والسرقة وترويج المخدرات وتهريبها وتعاطيها والدعارة»،