من قال إن هرمية المواقع في المدرسة تحوّلها إلى مكان تضيق فيه حرية الرأي والتعبير؟ في ثانوية غزير الرسمية، احتدم خلاف لا يزال يتفاعل بين أستاذة وطالبة سببه نقاش في الخير والشر، التديّن والعلمانية، وضرورة الانصياع لقوانين هرمية ولو أنها ليست عادلة

رنا حايك
حين تطالب بعض الجهات السياسية بخفض سن الاقتراع، يعني ذلك فرضية أن الشباب في هذه السن مستعدون لاتخاذ خيارات سياسية، بل حتى إيديولوجية، بالاستناد إلى نسق قيمي لديهم الطاقة الفكرية الكافية لاعتناقه، ولكن، كيف يستقيم ذلك إذا لم تُتِح لهم المدرسة مساحة للنقاش وللدفاع عن أفكارهم من دون أن تصطدم بجدار الهيكلية الإدارية، وقوانين التلقي السلبي في احترام رأي الأستاذ مهما كان؟
الطالبة ماريلين إكزاكوفا، بكالوريا قسم أول، تصدت لمعلمتها، وتحلّت بجرأة خارقة لمواجهتها، ثم انسحبت من الصف من دون استئذانها، بعدما بلغ النقاش بينهما حدّه، ما استدعى تجاهل المديرة والناظرات لكل النقاش الذي دار، تفاصيله والمسألة العميقة التي يثيرها والمتعلقة بحق الطالب في أن يخالف رأي الأستاذ، بل حتى يدينه، وأخذهن بالنتيجة الشكلية التي تحفظ حق الطرف الأقوى في التراتبية: «كيف ضهرتي من دون استئذان؟ ما بيسوا…».
ماريلين شابة تعيش منذ طفولتها في لبنان برفقة والدتها الأوكرانية المتزوجة بلبناني، لم يكن يوماً أقل من والد لها. عائلة «علمانية» كما يصفها الوالد، داني شرتوني. فماريلين لا تشارك في حصص الدين، لكنها لم تستطع تفادي الاصطدام بحالة عامة من عصب التدين في لبنان مدرسةً ومجتمعاً.
يومها، منعت العاصفة معلّمة الرياضة من إعطاء حصتها، فبقيت مع طلابها في الصف، يدردشون، إلى أن ساقهم الحديث إلى... الدين. في تلك المرحلة، كما تقول ماريلين، «لم أعد أصغي، ودار حديث جانبي بيني وبين زميلتي». حديث انتهى بضحكة استفزّت إحدى الطالبات، التي سرعان ما انتفضت قائلة: «اللي مش من ديننا ما يضحك على حديثنا». وبدأ سجال طويل، رغم أن التلميذتين أكّدتا أنهما كانتا تضحكان لسبب آخر، إلّا أن الأمور تطورت بين المعلمة وماريلين، التي تعرّضت للمساءلة عن عدم اهتمامها بموضوع الدين، والتي استفزت معلمتها مرة حين أجابتها عن سؤال: «ماذا تفعلين حين يموت أحد أقاربك؟» بـ«بِشرب شاي وما بآمن بالخلاص وهالخبار»، ومرةً أخرى حين أجابتها عن قولها بأن «إنتو العلمانيين متل الإسلام بتحرّفوا» بـ«مين إنتي تَتِحكمي عالآخرين؟ وكيف بتسمحي لنفسك تحكينا حكي طائفي وكل الأساتذة بيشجعونا على تقبّل الآخر مهما كان؟»، قبل أن تخرج من الصف استنكاراً من دون استئذانها. سلسلة متسارعة من الأحداث تلت تلك الواقعة، مفادها حرمان ماريلين من متابعة حصة الرياضة، ودروس أخلاقية كثيرة تلقّتها عن وجوب احترام المعلمة. وفي اتصال مع «الأخبار»، رفضت المديرة التعليق على الخلاف «اللي ما إلو طعمة»، بحسب تعبيرها. قد يكون في الأمر تضخيم بنظر مديرة تمارس عملها ضمن حدود الواجبات المنصوص عليها، لكن الحكمة تقضي بأن يكون الأستاذ مربياً قبل أن يكون أستاذاً. أن يعي الحراك المتّقد والشخصية التي هي في طور النمو في تلك المرحلة العمرية، وأن يستوعبهما فلا يخنق الطالب بالأنظمة، بل يتيح له التعبير والنقاش. فلتحاسَب الطالبة عن خروجها من دون استئذان ـــــ وقد سبق لها أن اعتذرت، للمناسبة، عن خطوتها تلك ـــــ فلتلقَّن الانضباط، ولكن، من دون أن تُخنَق محاولاتها في تكوين شخصية، وفي التشبث بقيم تربّت عليها. وإلّا، فكيف ستنتخب، هي وأبناء جيلها، في عمر الـ18، وكيف سيكافأ هذا المنحى القيمي الذي ينتهجه بعض أبناء هذا الجيل في مقابل أكثرية من أقرانهم يتجهون أكثر فأكثر نحو الميوعة واللامبالاة وقلة الوعي والثقافة، وحتى التسييس؟


وزارة التربية:الملاذ الأخير

بعد الخلاف الذي دبّ بين ماريلين (الصورة) والمعلمة، تنوي الطالبة اليوم التوجه مع والدها إلى وزارة التربية، ورفع شكوى بحق المعلمة التي «توجّهت بخطاب طائفي أمام الطلاب، ونجت من عقاب الإدارة». في المقابل، أُبلغت أمس الطالبة بمجلس ستعقده الإدارة يوم الاثنين بحضورها «لاتخاذ التدابير بحقها». وكانت المديرة قد استدعت الطالبة بعد وقوع المشكلة وقالت لها: «هيدا مش دورك. إنت ما إلك تحكي بهيك إشيا»، فأجابتها: «أصلاً جاك دريدا بيقول، القانون ما بيكفي يكون قانوني، لازم يكون عادل. بدي إتخطى قوانين الطاعة إذا المعلمة عم بتقول شي مش عادل بحق آخرين». فأكثر ما يزعج الطالبة هو أنّ «المعلمة محقوقة، وبدل ما يحاسبوها، عم بيأنبوني أنا بس ليش ضهرت من الصف بدون إذنها!»