strong>ضحى شمسلا أعرف ما الذي يعنيه الثامن من آذار بالنسبة إلى النساء اللبنانيات. وهل هن مثلي، لا يتنبهن إلى حلول «يومهن» إلا حين تردد الشاشات والإذاعات والصحف أخبار الاحتفال بهذا اليوم؟ كل ما أعرفه أن يوم المرأة العالمي، الذي بلغ عامه المئة، اليوم، يبدو لي عيداً مفتعلاً، مصطنع الفرح، مفرغاً من معانيه منذ زمن بعيد. أمر يشبه قلوب عيد فالانتاين البلاستيكية الحمراء، أو أقنعة الهالووين التي نتعجب من بشاعتها، لكنها لا تخيفنا. أمر لم يأتِ من تاريخنا المباشر، برغم مساهمات المناضلات العربيات، وخصوصاً في أوائل القرن الماضي ومنتصفه. منذ زمن بعيد لم يعد لهذا العيد طعم. يكاد يكون مرتبطاً، في مخيلتنا، بالجمعيات النسائية، لا بالنساء. فالعيد هو مناسبة للاحتفال بمكتسباتنا. فما هي حقيقة هذه المكتسبات اليوم؟ إلامَ آلت؟ لا شيء جديداً منذ عقود. بل إننا نتراجع، مع أنني، وكثيرات من نساء اليوم، نتنعّم بمكتسبات نضال النساء القرن الماضي: نصوّت ونتعلم ونعمل. يحل العيد الماسي للمرأة، متوّجاً مئة عام من النضال في العالم من أجل المساواة والاحترام وتكافؤ الفرص. لكنه، يحل في الحقيقة والنساء في أسوأ أحوالهن، أكاد أقول. صحيح أنهن اليوم، خارج المنازل، في المدارس والجامعات، في المكاتب وعلى الطرق، على خشبات المسارح وفي استديوهات التلفزيونات، إلا أنها تكاد تكون مساواة بصرية، ما إن نمعن النظر قليلاً حتى يتبين خداعها. نوع من وجود بدون معنى ذاك الوجود. وجود رفع عتب. اليوم تعمل النساء في الخارج، لكنهن ما زلن يقمن، إلى جانب ذلك، بواجباتهن البيتية. أي إنه بدلاً من تقاسم الأعمال وإعادة توزيعها بعدالة، هن أضفن، في الحقيقة، إلى «واجباتهن» العملَ خارج البيت. فإذ بهن «متحرّرات» بدوامين: نهاري وليلي، في الخارج والداخل، في المكتب ومع الأولاد. متحررات من دون مساواة. متحررات معاقبات بالتهميش والتجاهل. والثامن من آذار، لم يكن لأجل السماح للنساء بالعمل. فنساء بدايات القرن الماضي، إن كن مزاراعات أو عاملات في المدن الصناعية الكبرى، كن يعملن هن أيضاً بدوامين منزلي وخارجي. لقد كان نضالهن لتحسين ظروفهن في العمل وتحصيل حقهن بالتصويت والمشاركة في تقرير المصير. فما الذي تغير اليوم؟ منذ مئة عام، كانت النساء يقبضن أجوراً أقل من الرجال؟ ما زلن كذلك. كن يترقين ببطء شديد، ما زلن كذلك. كن يضطهدن ويطردن من أعمالهن إذا ما استدارت بطونهن؟ ما زلن كذلك. ممنوعة عليهن الوظائف العامة المهمة؟ ما زلن كذلك. بل إن أنواعاً أخرى من الاضطهاد باتت النساء ضحيتها. وها نحن في لبنان نخترع خصوصيتنا في هذا الأمر أيضاً.
مئة عام من النضال، وبنات لبنان، واجهة الشرق، كما نحب أن نتشدق، لا يحق لهن أن يعطين جنسيتهن، أسوة بالرجال، لأولادهن وأزواجهن. وحين يناقش حقهن ذاك تتفق العقلية الذكورية السياسية عن استثناءات لا يستحي من يقترحها حين يشرحها للرأي العام. مئة عام من النضال، والنساء في لبنان نادرات في العمل العام. انظروا إلى برامج «التوك شو» السياسية: متى تستضاف امراة للحديث عن الشأن العام؟ وأي امرأة تتحدث بلسان حزب أو قوة سياسية من دون أن تكون زوجة الزعيم أو أرملته أو شقيقته؟ النساء على الشاشات لهن أماكنهن المعروفة، كمذيعات أو برامج الأسرة أو الترفيه. وأحياناً، هناك من يكتب لهن الأسئلة أو يوجههن بالسماعة. لقد حوّل اللبنانيون (وكثيرون غيرهم) الشأن العام إلى مكان للذكور. لا بل إنه حين تسمّى سيدة لمنصب كبير، تكاد تكون نسخة عمن سمّاها، عن «راعيها». هي نوع من استئنافه نشاطه بوجه جديد. فما الذي ستضيفه نساء يعملن بأسلوب الذكور في السلطة؟ نساء يتوسلن بدورهن الطوائف للوصول إلى الحكم؟ ما هي الإضافة؟

تكاد المساواة تكون بصرية ما إن نمعن النظر حتى يتبين خداعها
مئة عام من النضال، والنساء ما زلن مهمّشات. بل إن نضالهن أخذ يضمر ويترهل بترهل بعض القيمين والقيمات على هذا النضال، بتنازلاتهن المستمرّة على حساب ما ناضلن من أجله، لمجرد الوصول إلى السلطة، أي سلطة، حتى ولو كانت ظهوراً على التلفزيون، بمقايضتهن النضال النسوي بكوتا، من هنا في الانتخاب تمر عبر الطوائف، وبوصول شكلي إلى مراكز القرار هناك، بتسمية بعضهن وزيرات في حكومة ما، وزيرات ما إن يختفين من نشرات الأخبار، حتى تُنسى أسماؤهن. تتعدد أشكال استغلال المرأة اليوم، والسلطة السياسية تستغلهن بشكل جديد: أنها تزيّن حكوماتها بهن. النساء عدن إلى الواجهة كزينة لرجال السلطة. لكن هل الرجل أفضل حالاً؟ وهل يمكن الحديث عن تحرير المرأة حين يكون المواطن، رجلاً أم امرأة مسحوقاً ومدعوساً، ومصادر القرار؟ وكيف ستقرر النساء مصيرهن في بلاد لا تقرر طبقتها السياسية مصيرها؟
يحل الثامن آذار، وكل النساء العاملات اليوم، في أعمالهن. فالثامن من آذار ليس عيداً طائفياً ليفرض نفسه عطلة رسمية. الثامن من آذار مجرد عيد المرأة.