لا يجوز استبعاد موظفي الفئة الأولى• النسبيّة كانت تحتاج إلى المزيد من الوقت
• الكوتا نفق مظلم قد ينتهي إلى نتائج إيجابية

قبل 6 سنوات، استقالت الأستاذة الجامعية في معهد الفنون، نهى الغصيني، من الجامعة اللبنانية كي لا تخون ثقة أهالي بعقلين بها. رئيسة بلدية بعقلين ورئيسة اتحاد بلديات الشوف ـــ السويجاني تدرك اليوم تبعة هذه الخطوة وأعباءها، وتستغرب كيف أن الإصلاحات المطروحة على مشروع قانون البلديات لم تلحظ موظفي الفئة الأولى

أجرتها: مهى زراقط
هل كان سهلاً عليكِ اتخاذ قرار الاستقالة من الجامعة اللبنانية لتتمكّني من تسلّم مهماتك كرئيسة بلدية؟
- لم يكن قراراً سهلاً بالتأكيد، وقد اضطررت إلى اتخاذه على الرغم من أني لم أكن مقتنعة به. ما حصل هو أنني حققت في انتخابات عام 2004 نجاحاً كبيراً لم أكن أتوقّعه، وكان عليّ بعد 15 يوماً من إعلان النتائج اتخاذ قرار البقاء في التعليم أو الانسحاب من العمل البلدي. شعرت بالمسؤولية ولم يكن ممكناً التخلي عن ثقة الناس بي.

اليوم، بعد مرور ست سنوات، هل تشعرين بالندم؟
- لا أقول إني نادمة لأن هذه التجربة أغنتني، لكنني أشعر بالمرارة. العمل في البلدية تطوّعي واستشاري، فلماذا أُحرم من وظيفتي ومن راتبي، فيما أقدّم خدمة عامة؟ وكأنهم يقولون لأصحاب الكفاءات ابتعدوا عن هذا المضمار؟ عندما ترشحت إلى الانتخابات عام 2004، كان هناك الكثير من الأساتذة الجامعيين الراغبين في التجربة، لكنهم تقاعسوا كي لا يخسروا وظيفتهم. أنا عملت فدائية في الموضوع، واستمررت لوقت غير قصير في التعليم في إطار صيغة التعاقد لكي أثبت بأنني أستطيع الدمج بين العملين.

ولماذا توقفتِ عن التعليم كمتعاقدة؟
- السبب مادي بحت. عندما كنت متفرّغة كنت أعلّم نحو 200 ساعة وأتقاضى راتباً شهرياً. أما كمتعاقدة فقد كنت أعلّم 400 ساعة من دون أن يتجاوز مجموع ما أتقاضاه سنوياً راتب شهرين. بعد أربع سنوات من التعاقد، قررت التوقف لأن المردود المادي غير مناسب.

هل كنتِ تتوقّعين إنصافاً لموظفي الفئة الأولى في إطار مشروع قانون الانتخابات الجديد؟
- في الحقيقة نعم، لكني فوجئت عندما سمعت بأن القانون لم يلحظ إلا موظفي الفئة الثالثة، مع أننا كنا نسعى مع وزير الداخلية والبلديات زياد بارود لكي يشمل المشروع كلّ الفئات ويسمح بالجمع بين الوظيفة والبلدية.

وفي الانتظار، هل تبحثين عن حلّ؟
- نعم، لكنني وحدي في هذه الحالة. أرغب في العودة إلى التعليم، وإلى الجامعة اللبنانية تحديداً، علماً بأني تلقيت عرضاً مغرياً من إحدى الجامعات الخاصة يسمح لي بالاستمرار في العمل البلدي. في الحقيقة، الخيار صعب، أنا ابنة الجامعة اللبنانية وعلّمت فيها 18 سنة، حرام ألا أعود إليها وأن أحرم من راتبي. من المفيد الإشارة إلى أنني لا أتقاضى شيئاً من مخصصاتي كما يفعل معظم رؤساء البلديات لأن الموازنة أصلاً قليلة، فيخجل أحدنا إذا مدّ يده عليها. يعني نحن لا نطلب منهم تعويضات ولا مخصصات رئيسية، لكن أضعف الإيمان اتركونا في وظيفتنا واستفيدوا من كفاءاتنا.

بمناسبة الحديث عن الكفاءات، هل كنتِ مع الاقتراح الذي يشترط حيازة المرشحين لرئاسة البلدية شهادة جامعية؟
- في الجامعة كنت أعلّم مادة عن القانون البلدي والثغَر الموجودة فيه، ومنها عدم وجود شرط التعليم. لكن التجربة علّمتني منذ عام 1998 إلى اليوم، أنه ليس الإنسان المتعلّم وحده من يعطي للبلدية. هناك أشخاص لم يحظوا بفرصة التعلّم، وهم قادرون على القيام بعمل عام. بالعكس، بعض المتعلّمين يترشحون فقط للموقع و«البرستيج»، وفي المقابل هناك أعضاء كبار في السنّ وتعلّمهم متواضع، يقومون بأعمال أساسية ومهمة. لذلك عندما علّمت هذه المادة مجدداً صرت أقول للطلاب ما كنت أكتبه كأكاديمية عن ثغر، وأضيف إليه رأيي بعد العمل على الأرض والاحتكاك بالناس. وأستطيع أن أقول الآن: حلو يكون في نسبة متعلمين، لكن فلنترك الناس تحكم.

بناءً على هذه التجربة، ما الفرق بين العالم الأكاديمي والعمل العام؟
- العالم الأكاديمي يجعلك تعيشين في المُثُل التي لا تجدينها على أرض الواقع وبين الناس، كما أنك تختارين صداقاتك من مستوى معيّن وتتعاملين معهم. أما في البلدية فالباب مفتوح للجميع. حتى من قد يكونون عدائيين نحوك، عليك أن تأتي بهم إلى موقعك. أنا أتعلّم كلّ يوم من الناس لأن خبرتهم في الحياة لا تزال أكبر بكثير من خبرتي في الشأن العام خصوصاً.

كيف انتقلتِ من التعليم إلى البلديات؟ ما الذي شجعكِ؟
- في عام 1998، ومع قرب الاستحقاق الانتخابي، طُرح اسمي تلقائياً من قبل شباب البلدة. وعلى الرغم من كلّ الصعاب التي قد تواجَهين بها أحياناً من رجال الدين ومن المجتمع، لأنهم غير معتادين على دخول المرأة إلى هذه المرافق، كان الشباب متحمسين لي وهم الذين شجعوني. يضاف إلى ذلك أهمية وجود قائد سياسي يكون مقتنعاً بقدراتك ويدعمك. وليد جنبلاط دعمني فاستطعنا تخطّي مشكلة احتمال احتجاج رجال عائلتي على عدم اختيار أحد منهم، وخصوصاً أنني أنتمي إلى عائلة كبيرة في بعقلين. كما أنني لم أكن قد تزوّجت بعد، وكان هناك خوف من أن أتزوج وأنتقل إلى قرية أخرى أو عائلة أخرى.

زوجك من بعقلين؟
- نعم، فتخطّيت مشكلة أن المرأة تنتخب في المكان الذي يسجّل فيه قيدها، ومع انتقالي إلى عائلة زوجي بقيت أخدم بعقلين.

هل يتفهّم زوجك مسؤولياتك؟
- نعم وهو يساندني ويفرح لأي نجاح أحققه، لكنه يخاف عليّ من القرارات الجريئة.

ما هي القرارات الجريئة التي قد تتخذينها؟
- نحن في بعقلين بقينا أكثر من 30 سنة بلا بلدية. خلال تلك الفترة احتلّت أراض للبلدية وأقيمت عليها مشاريع تجارية ومصالح خاصة. حاولنا أن نستعيد هذه الأراضي بالتراضي في بداية الأمر، وعندما لم ينجح الأمر لجأنا إلى المحكمة. هذا قرار جريء وغير شعبي لأنه يضرّ بمصالح بعض الأشخاص، لكننا لم نجعل هذا الأمر يقف حائلاً دون استعادة البلدية لحقوقها. لقد صدر الحكم قبل شهرين لاستعادة قطعتَي أرض، ونحن الآن في طريقنا إلى التنفيذ، على الرغم من أننا على أبواب الانتخابات، وقد يكون التنفيذ مضرّاً لمصلحة المرشحين، لكننا نقوم بواجباتنا. الآن أنا أختصر لك القضية ببضع كلمات، لكن لا يمكنك أن تتخيّلي الجدل الذي استغرقه الأمر قبل أن نتفق كمجلس بلدي على السير فيه.

هذا يجعلنا نسأل عن أمرين: بدايةً موقعك كامرأة، وثانياً أهمية الانسجام بين أعضاء المجلس؟
- في الحقيقة، الأمران مرتبطان. بالنسبة إليّ، لقد عانيت في البداية من مشكلة ثقة في قدرتي على اتخاذ القرارات الجريئة، أو غير الشعبية. صحيح أنني أُعرف بجرأتي، لكني كنت دائماً أسأل نفسي، هل سأسير إلى النهاية؟ الله أنعم عليّ بأن المجلس البلدي فيه الكثير من التفاهم، وخصوصاً بيني وبين نائب الرئيس جميل راجح، علماً بأننا ننتمي إلى حزبين مختلفين (اشتراكي وقومي). لكن الوفاق موجود، وكنا قادرين على استيعاب الأمور ووفرنا على بعقلين الكثير من الأزمات خلال السنوات الأخيرة.

هذا يطرح السؤال عن رأيك بالصيغة الانتخابية المقترحة التي ستأتي بمجالس غير متجانسة؟
- أعتقد أن النسبية كانت تحتاج إلى أن تأخذ منا بعض الوقت لنفكر بها بجدية أكثر، وأن لا نقلب الطاولة بسرعة من خلال اقتراح اللوائح المقفلة. اللبنانيون سيبقون يفضّلون إنساناً على آخر ويجب أن يحصلوا على هذا الحق. أنا أفكر ببلورة صيغة توفّق بين العادات اللبنانية في التصويت والنسبية، لكني لم أبلورها بعد. يحتاج الأمر إلى حسابات وتجارب على بعض البلدات.

وماذا عن الانسجام؟
- رأيي الشخصي أنه عندما يتفق الرئيس ونائبه ينجح العمل، علماً بأن القانون البلدي يعطي الرئيس سلطة تهميش نائبه، لكن هذا ليس لمصلحة العمل ولا لمصلحة البلدة.

كنت عضواً بلدياً بين عامي 1998 و2004، هل عانيت من مشكلة الصلاحيات الواسعة للرئيس؟
- نعم، لأن قانوننا البلدي قانون رئاسي، يحرم الأعضاء من المشاركة وتحقيق أفكارهم. فلم أستطع خلال تلك الفترة أن أحقق ما أحلم به لبعقلين. لذلك ترشحت عام 2004 وفي نيتي الوصول إلى منصب الرئيس كي أستطيع أن أحقق أفكاري.

أنت أيضاً رئيسة اتحاد بلديات الشوف السويجاني. كيف صرت في هذا الموقع؟
- في الحقيقة، وليد جنبلاط دعمني للوصول إلى رئاسة الاتحاد. هو من الناس التقدميين في هذه المسألة. شعر بأنني أحتاج إلى صلاحيات أكثر لأعمل.

ونجحتِ؟
- لست أنا من يمكنه أن يحكي عن ذلك، فهذا أمر متروك للناس، لكنني أستطيع القول إني أشعر بالرضى. وأعتقد أني أعطيت مثلاً أنه يمكن الوثوق بامرأة لإدارة العمل.

هل توافقين على مبدأ الكوتا؟
- من المؤلم أن نصل بعد 58 عاماً من إقرار حق المرأة بالمشاركة السياسية إلى المطالبة باعتماد الكوتا، عوض أن تكون مشاركتها تلقائية كما ينص عليه الدستور لجهة المساواة. لكن من جهة ثانية، لا يمكننا إلا التوقف عند الأرقام، إذ لا يتجاوز عدد النساء في البلديات الـ200 من أصل نحو 10 آلاف عضو. مع اعتماد الكوتا قد يرتفع العدد إلى ألفين، لذلك قد يكون اعتمادها بمثابة المرور في نفق مظلم نرى نتيجته على المدى البعيد.

هل تتوقعين حصول الانتخابات البلدية في موعدها؟
- لا أعرف، لكن سواء أكان هناك انتخابات أم لا، فليقولوا لنا. نحن نعاني من مشكلة أنه منذ شهر أيلول الفائت لم يدخل قرش واحد إلى الصندوق تحت حجة أنهم لا يريدون أن يدفعوا الأموال الآن كي لا تُستعمل انتخابياً. لكن لا تنسوا أن هناك موظفين، وعليهم التزامات ولديهم عائلات. هناك نحو 25 ألف موظف في لبنان، فليحسموا المسألة.

هل ستترشحين إلى الانتخابات المقبلة؟
- لم أقرّر بعد، لأن الهمّ الثاني الذي أفكّر به هو الجامعة. أريد أن أقدم طلب التحاق بها وبناءً عليه قد أقرّر.


لم تتلقّ نهى الغصيني بعد أي سؤال من الأسئلة الـ100 التي يقول وزير الداخلية والبلديات زياد بارود أنه سيوجهها إلى المعنيين في إطار الإعداد لمشروع قانون اللامركزية. لكنها ترى أن إحدى أبرز المشكلات التي يجب إيجاد حلّ لها هي البحث عن موارد مالية لاتحادات البلديات بعيداً من صندوق البلدية.