طرح إجراء وزارة الداخلية القاضي بحظر مؤسسات وجمعيات فلسطينية تعمل في الجزء الجديد من المخيم، إلا بعد ترخيصها، تساؤلات عن معناه وتبعاته، وخصوصاً أن المخيم ما زال يعاني مشاكل شائكة، تعمل هذه المؤسسات على معالجتها ضمن إمكاناتها
نهر البارد ــ عبد الكافي الصمد
وقع نبأ منع الجمعيّات والمؤسّسات الفلسطينيّة من العمل في الجزء الجديد من مخيم نهر البارد، وقوع الصاعقة على الجمعيات. فقد أرسل وزير الداخلية زياد بارود في 15 شباط الماضي الكتاب الآتي إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي: «ورد إلى الوزارة معلومات عن وجود مراكز ومكاتب غير مرخصة لمؤسسات وجمعيات إنسانية واجتماعية في البقعة المحيطة بمخيم نهر البارد ومعظمها فلسطينية (ربطاً لائحة باسم 23 جمعية)، للاطلاع والطلب إلى مسؤولي هذه المؤسسات والجمعيات وإلى الجهات التابعة لها، وجوب الحصول على تراخيص قانونية لها تحت طائلة اتخاذ التدابير القانونية المرعية الإجراء بحقها في حال عدم الحصول على الترخيص المطلوب والإفادة عن النتيجة».
ما الذي يعنيه هذا الكتاب؟ وكيف تستحصل جمعية فلسطينية كشفية أو اجتماعية على ترخيص؟ من وزارة الداخلية؟ بالطبع لا؟ فالقانون اللبناني يصنف هذه الجمعيات أجنبية، وتعد الجمعية أجنبية إذا كان واحداً من أربعة من مؤسسيها أجنبياً. لذلك، الترخيص بحاجة إلى قرار من مجلس وزراء البلاد. أما إذا كان شخص من خمسة من مؤسسيها أجنبياً، تُعَد جمعية محلية ويسمح لها بالتعاطي على هذا الأساس، ويكتفى لذلك بعلم وخبر يرسل إلى وزارة الداخلية والبلديات.
مصادر فلسطينية معنية فضلت عدم ذكر اسمها، قالت لـ«الأخبار» إن «استغلال الوضع الحالي للمخيم لتنفيذ سياسات محددة بحق الفلسطينيين لم يكن ممكناً تنفيذها سابقاً، لن يصبّ في مصلحة أحد».
في هذا الإطار، رأى مسؤول الحزب الشيوعي الفلسطيني، عيسى حمدان، أن تسمية «البقعة المحيطة بالمخيم» بدلاً من «المخيم الجديد»، مهدت «لما وصلنا إليه اليوم» وأنه «قد يمنع غداً قيام أي نشاط فيها، مع خشيتنا أن يتحوّل الأمر إلى نموذج يطبق في باقي المخيمات».
غير أن الإجراءات الأمنية المتخذة «انطلقت من أساس قانوني بحت، وهي لا تستهدف المخيم ولا أي جهة فيه»، على حد ما أوضح لـ«الأخبار» مصدر أمني لفت إلى ما أقره مؤتمر المانحين في فيينا في حزيران 2008، الذي «جرى التوافق فيه على أن نتولى في قوى الأمن المسؤولية داخل المخيم والمناطق المتاخمة، ويتولى الجيش المسؤولية على المعابر وفي محيط المخيم».
ومع أن عناصر المخفر داخل الجزء الجديد من المخيم بقوا يمارسون مهماتهم ضمن الحد الأدنى المطلوب منهم منذ دخولهم إليه أواخر تشرين الثاني الفائت، فإن التدبير الأخير رفع سقف مهمتهم بعد كتاب وزارة الداخلية والبلديات أعلاه، ذي الرقم 2336 الموقّع من الوزير زياد بارود.
الجمعيات تُعَد بالقانون أجنبية وترخيصها بحاجة إلى قرار من مجلس الوزراء
ردود الفعل على هذا الإجراء لم تكن مرحباً بها فلسطينيّاً، فمسؤول جبهة التحرير الفلسطينية في لبنان، محمد ياسين، أوضح لـ«الأخبار» أنه «لا أحد أخبرنا بمضمون الكتاب، بل إن عناصر الدرك داخل المخيم أبلغوا اللجنة الشعبية والمؤسسات بهذا الإجراء»، مشيراً إلى أن «مقاربة المسألة بهذا الشكل خطيرة لأنها تجري قبل تنظيم العلاقات اللبنانية ـــــ الفلسطينية، والاتفاق على صيغ تحدد حقوق الفلسطينيين وواجباتهم في لبنان، وبادرة سلبية في التعاطي معنا واستهداف للمخيم».
وإذ لفت ياسين إلى «أننا ندرس الأمر وسنتخذ موقفاً منه لتأكيد أننا لسنا جالية في لبنان بل قضية»، فإنه لم يخف أنه «تُشتَمّ من القرار رائحة العودة للوضع الفلسطيني كما كان قبل 1969، وتجاوز كل ما تمثله القضية الفلسطينية، لأن ممارسات الدولة بين عامي 1948 و1969 يعرف الجميع إلى أين وصلت».
وإذا كان هذا ما أحدثه الكتاب لدى فصائل التحالف، فإن ما أحدثه لدى فصائل منظمة التحرير لا يقل عنه استهجاناً، فمسؤول الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين في الشمال، أركان بدر، أوضح لـ«الأخبار» أن القرار «لم يحدد موعداً زمنياً للمؤسسات لتنفيذه، ولا نمانع في ترخيص عملها، لكن على الأخوة اللبنانيين تسهيل ذلك»، لافتاً إلى «وجود تعقيدات وشروط تعجيزية للحصول على التراخيص».
الاستغراب الأكبر لدى بدر كان في طلب وزارة الداخلية ترخيصاً لعمل اللجنة الشعبية، فأشار إلى أن اللجنة «هي إحدى مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية التي يعترف بها لبنان»، ما دعاه إلى التساؤل: «من يعترف بالمنظمة أفلا يعترف بمؤسساتها؟».
هذا الوضع دفع بدر إلى التأكيد أنه «ينبغي التعاطي مع الموضوع تعاطياً أوسع وأن لا يكون مجتزأً»، سائلاً: «أين هي واجبات الدولة تجاه المقيمين في المخيم الجديد والمناطق المتاخمة؟ وأين هي حقوق التملك والعمل لهؤلاء، وخدمات بلديتي المحمرة وبحنين التي تقع المناطق المتاخمة للمخيم ضمن نطاقهما، حتى يُطلب من أهل المخيم تأدية ما يقال إنها واجباتهم؟».
غير أن المثير كان أن قرار وزارة الداخلية أُرفق بلائحة تضم أسماء 23 جمعية ومؤسسة، تضمنت اسم المركز واسم المسؤول عنها، والجهة التابعة لها والمهمة التي تقوم بها، لدرجة أنّ ولاء هذه المؤسسات صُنّف سياسياً ضمن الفريق الواحد! فمثلاً، أشارت اللائحة إلى جمعية مؤيدة لعباس زكي وأخرى لسلطان أبو العينين، ما دفع مسؤول مستوصف الشفاء بالمخيم الدكتور توفيق الأسعد إلى اعتبار هذه المعلومات «استخبارية بحتة».
ومع أن الأسعد رأى أنه «لا مشكلة لدينا لأن المستوصف فرع من جمعية النداء الإنساني في صيدا»، فقد رجح أن بقية الجمعيات «لن تنال تراخيص بسبب التعقيدات القانونية، ما سينعكس تراجعاً في الخدمات المقدمة لأهالي المخيم».
ولقد عقبت أمس مؤسسة شاهد لحقوق الإنسان على القرار، مؤكدة أن الجمعيات يجب أن تخضع للقانون اللبناني، سواء داخل المخيمات أو خارجها، لكن في ظروف أفضل. وأكدت أن نتائج القرار واحدة بالنسبة إلى المخيم القديم أو البقعة المحيطة به كما تسميها الحكومة اللبنانية، أو المخيم الجديد كما يسميه أبناء المخيم، لأن معظم سكان هذه المنطقة هم فلسطينيون فعلاً. كذلك أشارت المنظمة إلى أن المخيمات الفلسطينية في لبنان بيئة غير صالحة للحياة الإنسانية، وبالتالي تحاول الجمعيات المستهدفة تحسين هذا الواقع. ولفتت شاهد إلى أنها مع شرعنة كل المؤسسات والجمعيات، لكن بعد الموافقة على منح جميع المؤسسات التراخيص اللازمة بعد تعديل شروط التسجيل بالنسبة إلى الفلسطيني (قانون العلم والخبر لعام 1908). كذلك أبدت تخوفها من أن القرار أتى بعد كلام كثير عن أن مخيم البارد سيكون مخيماً نموذجياً، فهل طريقة الحكومة اللبنانية مع نهر البارد نموذجية؟ وأشارت إلى قلق يعتري الأطباء وأصحاب الصيدليات الفلسطينيين وغيرها من المهن التي يصعب على الفلسطيني مزاولتها خارج المخيمات، من إمكان فقدان هؤلاء أي فرصة للعمل، مشيرة إلى أن الحوار اللبناني الفلسطيني كفيل بأن يعالج كل هذه المشكلات، لكن هذا القرار يؤكد أنه لا داعي للحوار. ختاماً، أشارت إلى خشية بقية المخيمات الفلسطينية من أن تتخذ قرارات مشابهة بحقهم، ما يعني أن الأجواء الإيجابية التي سادت أخيراً، بدأت تبدد.


«حقوق» تفتتح مركزها

برعاية وحضور سفيرة بريطانيا في لبنان، فرانسيس غاي (الصورة)، والعقيد الركن محمد علم الدين، ممثلاً المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء أشرف ريفي، وحشد من الدبلوماسيين الأجانب، افتتحت المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان (حقوق) مركزها الجديد في نهر البارد أول من أمس. وأعربت غاي عن سرورها لوجودها في مركز «حقوق» بالبارد الذي رأت أنه سيكون «منبراً للحوار بين الفلسطينيين القاطنين في مخيم نهر البارد والجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي لإيجاد حل للمشاكل القائمة عبر الحوار». وأعربت عن سرورها لكون حكومتها تساعد هذا البرنامج، وعن سعادتها لسماعها الناس يتحدثون إليها مباشرة عن تاريخ بريطانيا وفلسطين لأنه «مهم جداً أن أسمع صوتكم وأن أكون حلقة تواصل بينكم وبين حكومتي».
يذكر أن هذه المنظمة غير حكومية ومستقلة، تأسست عام 1997 ومشهرة في لبنان بموجب علم وخبر 36/أد. وتتمتع (حقوق) بعضوية كل من الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان والشبكة الأورو ـــــ متوسطية لحقوق الإنسان.