آمال خليلفي الباحة الخارجية لمستشفى جبل عامل في صور، ينهمك عمال في تثبيت مولد كهربائي جديد، ومخزن للوقود. أما في قسم الطوارئ، فهناك ورشة أخرى لتجهيز برادات جديدة لحفظ الموتى. هذا جزء من التحضيرات التي تقوم بها إدارة المستشفى بمساعدة بعض الأحزاب والهيئات، استعداداً لـ«الحرب المقبلة». المستشفى الذي تأسس عام 1982 شهد اعتداءات إسرائيلية وحروباً أهلية، تحوّل بسبب كبر حجمه وتطوّر إمكاناته مقارنةً بالمؤسسات الصحية الأخرى، إلى مركز استيعاب الشهداء والجرحى والنازحين، ولا سيّما خلال عدوان تموز.
بعيداً عن أعمال البناء والتحديث في المستشفى، ثمة خلافات بين الشركاء الأربعة على ملكيته، حيث تدور بينهم اتهامات بالاختلاس والسرقة منذ 5 سنوات، حتى وصلت أخيراً إلى القضاء الذي وضع يده على المؤسسة لحمايتها من الانهيار من أجل المصلحة العامة.
في شهر آب الماضي، طلب أحد الشركاء من محكمة صور التدخل لتسوية النزاعات بشأن التنافس على إدارة المستشفى والصلاحيات التي كانت تصل أحياناً إلى التضارب بالأيدي بين الشركاء في حرمه، بحسب شهود عيان. عيّن رئيس المحكمة المسؤول السابق لجهاز الطبابة العسكرية في الجيش اللبناني العميد المتقاعد علي يونس، حارساً قضائياً على المستشفى تكون مهمته العمل على فض النزاعات.
القضاء وضع يده على المؤسسة لحمايتها من الانهيار
حتى تاريخ 13 تشرين الأول الماضي، قررت محكمة الاستئناف المدنية في صيدا وقف تنفيذ الحراسة بناءً على طلب شريكين. إلا أن القاضي، بعد عدم التوصّل إلى آلية توافقية للإدارة المتنازع عليها، قرر تسليمها إلى المدير النظامي المكلف وفق النظام التأسيسي الداخلي للمستشفى «شرط إبقاء أعمالها خاضعة لإشراف المحكمة المباشر».
صدر أخيراً تقرير عن الأوضاع الإدراية والتنظيمية منذ وضع المستشفى تحت الحراسة القضائية. ففي الشق الإداري، وُحّد القرار، بحيث لم يعد الموظف يقع فريسة تعدد المرجعيات ونقض بعضها لقرارات بعض، وصار مجلس الإدارة يجتمع دائماً لحل المشاكل المتراكمة. وبحسب التقرير المشار إليه، بات عناصر الأمن وعمال النقل والسنترال يتوافرون في جميع الأوقات.
ورشة «النفض» الشامل للمستشفى لم تنقذه من الإفلاس والانهيار حتى الآن، بل حمت مؤقتاً، 350 موظفاً و142 طبيباً من الصرف، واستعادت مستحقاتهم ورواتبهم المتأخرة، لكنها لم تنقذ المرضى من الإهمال الطبي. يقر أحد الموظفين بأنّ «نسبة الحوادث الطبية قد خفت كثيراً بعد الحراسة القضائية، لكنها لم تنقطع». فقد ادّعت عائلة المتوفّى علي م. أنّ أحد الأطباء سبّب في بداية شهر تشرين الأول، وفاته بعدما أجرى له تمييلاً في شرايين القلب. فما الذي يحمي المستشفى من أخطائه؟ لا يدّعي يونس الذي طُلب إليه لاحقاً الإشراف المالي والإداري، أنه اجترح المعجزات منذ تعيينه حارساً قضائياً «إذ إن احتمال الخطأ الطبي وسواه وارد هنا، وفي أيّ مكان. لأن إدارة المستشفيات الجيدة والعناية بأرواح الناس، تتطلّبان تعاوناً متكاملاً بين الإداريين والأطباء والممرضين». ويشير إلى «سيادة المنطق التجاري على القطاع الطبي عموماً، حيث يتصرف الطبيب على أنه موظف أو تاجر أو جامع ثروات، وليس ذا رسالة إنسانية ورحمة واسعة».