قرار مجلس الوزراء بخصوص الأبنية التراثية يهدف إلى وقف عجلة الهدم في العاصمة. القرار ليس كاملاً، لكنه خطوة أولى على طريق إنقاذ تاريخ بيروت وبيوتها
جوان فرشخ بجالي
أمس، كان الهدم جارياً في العقار رقم 2175 في المصيطبة ببيروت، واليوم سيبدأ الهدم في المبنى المشيّد على العقار 200 في عين المريسة، وغداً ستنهال الجرافات على المساكن القديمة في الخندق الغميق وزقاق البلاط والبسطة... كل بيوت بيروت القديمة وغير المصنفة من فئة A.B.C معرضة للهدم. تاريخ العاصمة في خطر، طالما أن مجلس النواب لم يقرّ أيّ قانون لحماية الممتلكات الثقافية.
وكان وزير الثقافة، آنذاك، طارق متري قد نجح سنة 2007 في تمرير قانون لحماية الممتلكات الثقافية، لكن اللجان النيابية ما زالت تعمل على تفريغه من مضمونه. لذا، أتى قرار مجلس الوزراء لتسريع البحث فيه وإقراره. صحيح أن القانون ليس نموذجياً (راجع الأخبار 25 آب 2007)، لكنه يمثّل بداية تستطيع أن تبدل واقعاً مأسوياً على الأرض.
ولتوقيف قرارات الهدم التعسفية، التي يمكن وزير الثقافة أن يتخذها، أقرّ مجلس الوزراء تأليف لجنة برئاسة وزير الثقافة، وعضوية كل من محافظ بيروت، المدير العام للآثار، المدير العام للتنظيم المدني ونقيب المهندسين في بيروت، مهمتها دراسة الطلبات المقدمة لإعادة النظر في وضعية العقارات المعنية.
في الأثناء، البيوت المصنفة «مجمد هدمها»، أما المحررة (مثل البيوت من فئة DوE) أو التي لا يشملها الجرد، فقرار هدمها لا يتطلب إلا إذناً من بلدية بيروت للتأكد من أن لا إشكال حولها. إجراء إداري بسيط يأتي بعده تدمير جزء من تاريخ العاصمة. فالبيوت غير المصنفة لا تتمتع بأي نوع من الحصانة في غياب قانون يردع ويحمي.
وفي انتظار إقرار القانون، من الضروري وقف طلبات الهدم في بلدية بيروت. فأصحاب الأبنية القديمة الذين لا يرغبون في المحافظة عليها سيسارعون اليوم إلى هدمها، وسيكرر ما حصل سنة 1998 حينما أوقف العمل بقرار الوزير ميشال إده (1995) الذي يمنع هدم البيوت المصنّفة في بيروت والتي بلغت في حينها 1016. التراجع ذاك أدّى إلى «مجزرة»، إذ كانت أكبر عملية هدم للمباني.
ويُخشى اليوم أن تعاد الكرّة. فأهل الاختصاص يؤكدون أن كل خبر يصدر في الصحف أو في وسائل الإعلام عن ضرورة المحافظة على بيوت بيروت تكون عاقبته تدمير المزيد من البيوت، ولا سيما مع ارتفاع أسعار العقارات. فلنأخذ مثلاً بيت السيدة فيروز في زقاق البلاط. كان البيت مجهولاً من أبناء العاصمة، إلى أن قررت جمعيات عالمية للمحافظة على التراث الترويج لمنطقة زقاق البلاط. فنظّمت حملات للزيارات في تلك المنطقة لإبراز الهوية الثقافية لبيروت.
روّاد هذا النشاط لم يكونوا كثراً، لكنه كاد يودي ببيت السيدة فيروز. فصاحب العقار «خاف» من التظاهرة الثقافية وبدأ عملية تخريب في المبنى، وكاد أن يهدمه لولا قرار وزير الثقافة الحالي سليم وردة بإدراجه مع بيت الشاعر بشارة الخوري في لائحة الجرد العام. أنقذ البيتين، لكن ما هو مصير بيوت بيروت التي لم يشملها التصنيف؟

أصحاب العقارات يرون دوماً أن واجب الدولة هو الاستملاك
أصحاب العقارات يرون دوماً أن واجب الدولة هو الاستملاك، لكن هذا مستحيل من الناحية المادية وغير مرحّب به من الناحية الاجتماعية. فأهمية الأحياء التاريخية تكمن في سكانها وبيوتها. وقاطنو تلك المباني هم من يعطونها رونقها وحياتها وطابعها، لذا، يجب المحافظة على ذلك والمعروف علمياً باسم «النسيج العمراني». فالاحياء التي لا تزال تتمتع بهذا الطابع باتت قليلة في العاصمة، ولا تدخل ضمن التصنيف المعمول به. المطلوب إعادة النظر بهذا التصنيف.
ذلك يصعّب الوضع أكثر. فسياسة الدولة حتى اليوم كانت تهدف إلى إرضاء المقاولين والمستثمرين وإغرائهم. وهم لبّوا النداء، وهبّوا إلى البناء. أبراجهم ترتفع في سماء بيروت من دون رادع، فما من قانون يحدد حتى الارتفاع. وما من قانون يمنعهم من امتلاك التاريخ. حتى البارحة، كانت الدولة تعمل على إرضائهم فحسب.
وكان مجلس الوزراء قد كلف وزير الثقافة إجراء استدراج عروض لجرد الأبنية التراثية في جميع المناطق اللبنانية خارج بيروت ورفع اللوائح بالأبنية المقترحة إلى مجلس الوزراء لاتخاذ القرار المناسب في شأنها.