مستقبل مطمر الناعمة» هو عنوان الندوة التي ستُعقد في بلدة عبيه مساء اليوم، بحضور وزير البيئة محمد رحال. لا يبدو هذا «المستقبل» واضحاً. الواضح أنّ هذا المطمر يستوعب نفايات جميع السكان القاطنين في بيروت وجبل لبنان، التي تصل إلى ٢٥٠٠ طن يومياً. أما الوعود بإقفاله والتعويض على البلديات المحيطة به، فمن الواضح أنها تتبخّر يومياً مع غاز الميثان المتصاعد منه
بسام القنطار
منذ ما يزيد على خمس سنوات لم تقم الحكومات المتعاقبة بأيّ معالجة لمشكلة النفايات الصلبة أو المنزلية في لبنان. القاعدة التي اتّبعتها الدولة في معالجة هذا الملف تستند إلى المثل الشعبي الذي يقول «عين لا تقشع قلب لا يوجع»، وما دامت مركبات شركة سوكلين ترفع النفايات من الشوارع، فلن يتحول الملف مطلبياً أو معيشياً يحرّك الجماهير، التي لم تسأل يوماً عن مصير هذه النفايات بعد جمعها، وأي كلفة تدفع الآن، وتلك التي يفترض أن تدفع في المستقبل، وكيف نظفت مشكلة النفايات صناديق البلديات في بيروت وجبل لبنان من الأموال، وتركت مشاريعها التنموية غير قادرة على الخروج إلى حيز التنفيذ.
الحقيقة التي تتغاضى عنها الحكومة، والتي لم تذكرها في بيانها الوزاري، وفي برنامج وزارة البيئة للسنوات الثلاث المقبلة، هي أن هذه النفايات تذهب إلى مطمر الناعمة الواقع في خراج بلدات الشحار الغربي في قضاء عاليه، منذ عام ١٩٩٦، ولقد امتلأ هذا المطمر بما يزيد على ١٠ ملايين طن من هذه النفايات، ولم تنفَّذ العديد من الوعود بإغلاقه وإيجاد بدائل عنه، كان قد أطلقها كل من النائب وليد جنبلاط والرئيس الشهيد رفيق الحريري. ولا يزال قرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 28 حزيران 2006، الذي أكد «تنفيذ قرارات المجلس السابقة في ما خص مطمر الناعمة، والمتعلقة بالتعويض على البلدية وجوارها»، من دون أيّ آلية عملية للتنفيذ. أما مجلس الإنماء والإعمار، الإدارة الرسمية المسؤولة عن المطمر، فبدلاً من مباشرة العمل لتأهيل المواقع البديلة، اكتفى بالتنفيذ الجزئي والمبتور لقرار المجلس الصادر في الجلسة نفسها، والقاضي باستملاك حوالى 25 ألف متر مربع لتوسعة المطمر لتوفير استمرارية العمل فيه. وعلّل مجلس الوزراء قرار الاستملاك بتوفير جهوزية المواقع البديلة له والملحوظة في خطة إدارة النفايات المنزلية الصلبة في منطقة إقليم الخروب وجبيل. إلّا أن حرب تموز الأخيرة، والأزمة الحكومية واعتراضات أهالي منطقة إقليم الخروب على إنشاء مطمر في منطقتهم، أبقته قائماً إلى أجل غير مسمّى.
وتفيد معلومات موثوق بها لـ«الأخبار» أن مجلس الإنماء والإعمار سوف يرفع إلى مجلس الوزراء اقتراحاً بتبني استراتيجية إنشاء محارق للنفايات تكون بديلة عن مطمر الناعمة، على أن تُستدرج عروض عن طريق «بي أو تي» لتلزيم إنشاء المحارق إلى القطاع الخاص.
ومن المعلوم أن الكلفة العالية جداً لإنشاء المحارق، فضلاً عن ضررها البيئي يجعلانها خياراً قليل الاعتماد في معظم دول العالم، فيما توقع مصدر مسؤول في وزارة البيئة، تحفّظ عن الكشف عن اسمه، أن لا تبصر تقنية المحارق هذه النور في لبنان، وأن ما يجري مجرد عملية كسب للوقت للاستمرار في طمر النفايات في الناعمة بكلفة مرتفعة.
ويفيد تقرير مجلس الإنماء والإعمار الصادر عام 2000 أنه جرى صرف أكثر من ثلاثة مليارات دولار بين 1992 و1999 على ملف النفايات، أمّا اليوم، فيصرف ما لا يقل عن مئتي مليون دولار سنوياً، في ظل عدم مراجعة طريقة الإدارة، لجهة اعتماد الفرز في المصدر، وإعادة التصنيع، والتخمير.
بلدة عبيه ـــــ عين درافيل، التي يقع جزء كبير من المطمر ضمن نطاقها العقاري، تستضيف عند الخامسة من مساء اليوم وزير البيئة محمد رحال لمناقشة مسألة «مستقبل مطمر الناعمة». ومن المتوقع أن تشهد الجلسة، التي يحضرها رؤساء بلديات المنطقة والأهالي وفعاليات حزبية نقاشاً واسعاً بشأن مصير قرار مجلس الوزراء بالتعويض على البلديات المحيطة بالمطمر بمبلغ سنوي يوازي عشرة أضعاف حصتها من الصندوق البلدي المستقل، إضافةً إلى المدة الزمنية المتوقعة لإقفال المطمر، وإيجاد بديل عنه، علماً أنّ جميع الوعود السابقة كانت تؤكد أنّ «المطمر استنفد طاقته الاستيعابية، ولن يكون بمقدوره استقبال المزيد من النفايات فيه». نديم حمزة، منسق التجمع لإقفال مطمر الناعمة، أكد لـ«الأخبار» «أنّ الكلام عن استنفاد الطاقة الاستيعابية للمطمر يُسمع منذ عدة سنوات، وعلى لسان جميع المسؤولين، ولكن في الحقيقة ماذا يجري داخل هذا المطمر، وكيف تجري عملية الطمر، وأين يذهبون بالنفايات التي تصل على مدار الساعة في شاحنات ضخمة؟».

يمكن أن يُنتج المطمر طاقة كهربائية بقدرة ٤ ميغاواط
يضيف حمزة: «لقد ناضلنا سنوات عديدة لإقفال هذا المطمر، ولكننا اليوم نجد أن الحديث عن إقفال المطمر لم يعد مجدياً ما دامت الحكومة لم تقرّ خطة وطنية شاملة، وتجد بدائل عنه، لذلك قررنا أن نتناقش مع وزير البيئة في آلية استفادة أهالي المنطقة من هذا المطمر».
ويؤكد حمزة أن هناك قضايا عدة وأسئلة «نطلب إجابة عنها. لماذا لم تقرّ الحكومة مشروعاً لإنشاء محطة توليد كهرباء من غاز الميثان المنبعث من المطمر بكميات كبيرة؟ التي يمكن أن تُنتج طاقة بقدرة ٤ ميغاواط؟ ولماذا لا يُحوّل الجزء المقفل من المطمر، الذي زرع بعشب الغازون إلى ملعب للغولف، أو حديقة عامة؟ ولماذا لا يُخطّط لإقامة متحف للنفايات في هذا المطمر، وخصوصاً أن شركة سوكومي أبدت استعدادها للتعاون في هذا الشأن؟ أخيراً، وهذا هو السؤال الأهم هل يمكن الحكومة أن تصدق مرة واحدة وتحدّد موعداً نهائياً غير قابل للتعديل بإقفال هذا المطمر نهائياً»؟
بدوره، رئيس بلدية عبيه نزيه حمزة، يؤكد أنه راجع وزارة الداخلية والبلديات مرات عدة بخصوص التعويضات المستحقة للبلدية جراء طمر مئات الأطنان من النفايات فيها، لكنّ الوزارة نفت علمها بهذه التعويضات، رغم أنها أُقرّت في مجلس الوزراء. ويختم حمزة بأن نواب المنطقة يتحمّلون المسؤولية أيضاً، وهم لم يضغطوا في هذا الملف ولا في غيره من الملفات، فتعويضات المهجرين ليست أحسن حالاً.