احتدم النقاش بشأن «أشكال» مقاطعة إسرائيل، ربما تناسى أهل السجال أن القانون اللبناني يحرّم كل أشكال التطبيع مع هذا الكيان، قراءة للمواد تذكّر بأنّ النواب الذين أقرّوه عام 1955 لم يخطر لهم أنه سيأتي يوم يحاجج فيه أحد بشـأن مدى مقاطعة إسرائيل
عصام نعمة إسماعيل*
أيهما يؤدي إلى شرعنة الكيان الاسرائيلي: التطبيع الاقتصادي، أم الثقافي والنخبوي؟ لعلَّ الانطباع الأول، الذي يتكوَّن عند طرح هذه الإشكالية، هو الخشية والقلق من طبيعة الطرح ذاته، لأن مجرد طرح هذه المسألة، يعني أن بين اللبنانيين أو المقيمين في لبنان، من بدأ يتقبَّل فكرة وجود إسرائيل ككيان شرعي، أو على الأقل واقعي لا بد من التعايش معه. وهذه فكرة، هي على الأقل في لبنان لا تزال رسمياً من المحرمات. فالمقاطعة كاملة ومطلقة، والقانون لا يسمح تحت شعارات حرية التعبير أو العولمة أو الأمر الواقع، بأن نعمد إلى المشاركة في ندوات ومؤتمرات وأنشطة رياضية وثقافية يكون للعدو الإسرائيلي، أو أحد حاملي جنسيته، وجود فيها، ففي هذا خرق لقانون المقاطعة، ويعطي هذا العدو فرصة الولوج إلى الفكر اللبناني أو العربي، لتكون هذه الخطوة مقدِّمةً لخطوات تطبيعية أخرى، لتصل إلى درجة قبول المجتمعات والنخب العربية الشعب الإسرائيلي كمرحلة لتقبُّل الدولة الاسرائيلية في أراضي فلسطين.
إسرائيل في نظر القانون اللبناني عدو، وحسب قانون العقوبات اللبناني فإنّ الصلات محظورة مع هذا العدو، أو مع أحد رعاياه.
ماذا يريد العدو الإسرائيلي من كلّ ذلك؟ هل يسعى إلى التطبيع الاقتصادي أم الثقافي؟ أم أنّ كل ما يبتغيه يتمحور حول قبول الشارع العربي به، أكثر من حاجته إلى التعامل الاقتصادي مع هذا الشارع، علماً بأنّ التطبيع الثقافي ستلحقه حتماً أنشطة اقتصادية، لكن العكس ـــــ ليس مفترضاً أن يؤدي إلى النتيجة نفسها.
إذا عدنا إلى تاريخ إقرار قانون مقاطعة إسرائيل، الصادر في 23 حزيران 1955، نلاحظ أنه في ذلك التاريخ لم يكن بوارد أي لبناني أو عربي أن يقبل إسرئيل، أو يقيم أي تعاون ثقافي أو حضاري أو فكري مع أي مغتصبٍ للحقوق الفلسطينية، فالرفض كان موجوداً، وصورة الإسرائيلي، الذي ذبح آلاف الفلسطينيين، وطرد مئات الآلاف من أملاكهم ومدنهم وقراهم، وارتكب أبشع المجازر، هي صورة كانت يومها ماثلة في الأذهان، ولم تكن تلك المقاطعة الثقافية والاجتماعية أو السياسية لهذا العدو بحاجة إلى قانون مكتوب، بل كانت ثمّة خشية من إقدام البعض على نسج علاقات اقتصادية، أو إبرام صفقات تجارية مع أشخاص أو شركات تحمل الجنسية الإسرائيلية، أو أجانب يتعاملون مع إسرئيليين.
إذا راجعنا محاضر جلسة إقرار قانون مقاطعة إسرائيل، نتلمّس هذه الحقيقة، يومها قال النائب غسان تويني: «إنّ تصديق المجلس على هذا المشروع هو تكريس للوضع العام، وإنني أشير إلى أنه لا بد من التشديد عليه، وأنّ من الأفضل أن نسجل هنا أن للبنان مصلحة أكثر من أي بلد عربي آخر في إقرار قانون أحكام المقاطعة مع إسرائيل». فأيّده النائب الراحل إميل البستاني بقوله: «لا شك أن كلاً منا يؤيد الزميل الأستاذ تويني بخصوص ضرورة التصديق على هذا القانون، وسيعطي لبنان المثل الأعلى في مقاطعة إسرائيل». وقال النائب الراحل أديب الفرزلي: «أرى أن هنالك تضخماً عند الدول العربية في القوانين وفي مقاطعة إسرائيل، القوانين يا سيدي تُسنّ وتكتفي الحكومات العربية بأن تربح معركة التصويت على القانون. فلماذا القانون؟ إذا شاءت حكومة أن تقاطع دولة عدوة يمكنها أن تتخذ الإجراءات اللازمة وتقاطعها في يوم واحد. يجب أن نُعدّ قوة إجرائية لتنفيذ القانون. مثلاً في يوم واحد جرت ثلاث حوادث على الحدود من دوريات يهودية مع أنه يوجد قانون، ولكن أين الذين يسهرون على تطبيق القانون؟ وأنا أقول إنّ مقاطعة إسرائيل توجب توحيد الصفوف، فماذا نرى؟ نطعن كرامات الجيش السوري أحياناً، مع أن من الواجب أن يكون هذا الجيش كأنه الجيش اللبناني، وكذلك الحال مع المملكة السعودية العربية وباقي الدول العربية. ما أقوله هو أن القانون لن يفيد إذا لم نترفّع عن هذه المراشقة من جهة، وإذا لم نعمد إلى تطبيق القانون بشدة وصرامة من جهة ثانية». وأكمل النائب الراحل بشير الأعور مواقف زملائه النواب فقال: «عندما كنا ندرس هذا القانون في لجنة الإدارة والعدل توخينا أن يكون صارماً رادعاً ومساعداً للمصلحة العليا التي أوجبت تضييق الحصار الاقتصادي على إسرائيل. إنما هناك ملاحظة أسمح لنفسي بأن أوجّهها إلى معالي وزير الخارجية عندما يقَر هذا القانون، وإذا لم تعمد الدول العربية المجاورة إلى إقرار قانون لا يقل صرامةً عن هذا القانون، تكون الغاية التي توخيناها قد ذهبت سدى. لذلك فإنني أرى أن من المصلحة أن تجري اتصالات بين وزارة الخارجية، وحكومات الدول العربية نطلب فيها أن لا تكون القوانين التي سوف تسنّ بهذا الخصوص، أقل صرامةً من قانونينا».
لم يخطر ببالِ أيٍّ من هؤلاء النواب، أنه سيأتي يوم يحاجج فيه أحد بشأن مدى مقاطعة إسرائيل، ولذلك عندما أُقِرَّ القانون جاءت المادة الأولى فيه بعبارات عامة مطلقة تغطي كل أنواع التعامل من أيِّ نوع كان.
ومن يقرأ قانون مقاطعة إسرائيل قراءة متمعّنة، يجده منقسماً إلى أربعة أقسام، القسم الأول ومحوره المادة الأولى، تضمّن نصاً عاماً مطلقاً قطعيّ الدلالة عن المقاطعة المطلقة لإسرائيل، وفي فقه القانون عندما يكون النص قطعي الدلالة، فهذا يعني أنه لا يترك مجالاً للتأويل والتفسير، وتنطبق عليه قاعدة «لا اجتهاد في معرض النص الصريح»، ومن لديه اعتراض يمكنه المطالبة بتعديل القانون وفقاً للأصول. فعمومية نص المادة الأولى لناحية شمول المقاطعة كل المجالات واضحة على النحو الآتي: «يحظر على كل شخص طبيعي أو معنوي أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقاً مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو منتمين إليها بجنسيتهم أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها، وذلك متى كان موضوع الاتفاق صفقات تجارية

النائب غسان تويني: للبنان مصلحة في مقاطعة إسرائيل
أو عمليات مالية أو أيّ تعامل آخر مهما كانت طبيعته». أما القسم الثاني من القانون، فيدور حول المقاطعة الاقتصادية، ومحوره المادة 2 التي تنص على أنه: «يحظر دخول البضائع والسلع والمنتجات الإسرائيلية بجميع أنواعها إلى لبنان وتبادلها أو الاتجار بها، وكذلك السندات المالية وغيرها من القيم المنقولة الإسرائيلية. وتعدّ إسرائيليةً البضائعُ والسلع المصنوعة في إسرائيل أو التي دخل في صنعها جزء مهما كانت نسبته من منتجات إسرائيل على أنواعها، سواء وردت من إسرائيل مباشرةً أو بطريقة غير مباشرة. وتعدّ في حكم البضائع الإسرائيلية السلع والمنتجات المعاد شحنها من إسرائيل أو المصنوعة خارج إسرائيل بقصد تصديرها لحسابها أو لحساب أحد الأشخاص أو الهيئات». وفي هذه المادة حجة على أن المقاطعة المنصوص عنها في المادة الأولى لا تقتصر على المقاطعة الاقتصادية. وإلا فما المعنى من ورود الحظر الواحد مرتين في نصين متتاليين؟ أما القسم الثالث، فمخصص لآلية تطبيق المقاطعة الاقتصادية، ومحوره المواد من 3 إلى 6، والقسم الأخير مخصص للعقوبات المفروضة على من يخالف أحكام قانون المقاطعة.
* أستاذ القانون الدستوري وحقوق الإنسان في الجامعة اللبنانية


الجامعة الأميركية تحت القانون

وزّع رئيس الشؤون الأكاديمية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور أحمد دلال الأسبوع الفائت رسالة إلكترونية على أساتذة الجامعة وطلابها، أكد فيها التزام الجامعة القوانين اللبنانية.
وجاء في رسالة دلال: خلال الأيام الماضية شهدت الجامعة الأميركية نقاشاً «ساخناً» بين الأساتذة والطلاب تناول الحرية الأكاديمية والتعاون بين الجامعة الأميركية في بيروت والجامعات الإسرائيلية. نقلت بعض المواقف عبر الشبكة الإلكترونية (الإنترنت).
ونظّمت حلقة نقاش يوم الاثنين الفائت. «أغتنم هذه المناسبة لتذكير طلاب الجامعة وأساتذتها بأنها، بوصفها مؤسسة للتعليم العالي لديها حضور تاريخي في لبنان والشرق الأوسط، ملتزمة احترام القيم الأساسية للحرية الأكاديمية في إطار القوانين اللبنانية التي تمنع بشدّة التعاون مع المؤسسات الإسرائيلية». وكان النقاش قد انطلق بعد صدور كتاب شارك في تحريره أستاذ في الجامعة الأميركية وأساتذة في جامعة تل أبيب.