طرابلس ــ فريد بو فرنسيس مع ارتفاع وتيرة العمل في مشروع سقف نهر أبو علي في منطقة التبانة في مدينة طرابلس، بدأت صورة المشروع تتظهر شيئاً فشيئاً: صوت الآليات والجرافات الصغيرة منها والكبيرة لا يهدأ، العمال في حركة دائمة موزعون حسب اختصاصاتهم: منهم للبلاط، آخرون للباطون، والحديد، وآخرون لتركيب قساطل الصرف الصحي ومياه الأمطار. على طول الطريق المؤدي إلى التبانة من مدخل طرابلس الشرقي أعمال حفر، يبدو أن المشروع الذي ينفذ ضمن «مشروع الإرث الثقافي» في المدينة، شارف على نهايته. أصحاب البسطات لم ينتظروا انتهاء الأعمال ليحجزوا أماكنهم «بوضع

تستطيع أن تشتري بألف ليرة لعبة أو زوجاً من الأحذية
اليد». هكذا، بسطوا بضاعتهم في الفسحات التي انتهت ورش العمل من رصفها بالبلاط، في مشهد يوحي وكأن هناك سباقاً محموماً يجري بينهم وبين البلدية على حجز الأماكن من الآن. المشهد غير المألوف على تلك الساحات المعدة أصلاً لتكون مواقف للسيارات ومساحات حرة للمتسوقين، أصبح يتسع يوماً بعد يوم، وأصحاب البسطات يتمددون في بسطاتهم المنوعة. لم تعد تكفيهم زوايا صغيرة كما جرت العادة بل أصبحوا يفترشون ما شاؤوا من المساحات الفارغة ليبسطوا عليها الأحذية والملابس ومساحيق التنظيف.
أصحاب البسطات الجدد يأملون أن يكون لهم مكان ضمن محال السوق التي ستقام على سقف النهر. يوسف يعمل على بسطة لعصير الليمون والجزر «العمل موسمي في موسم الليمون فقط، معظم الزبائن هم من ركاب السيارات التي تمر من هنا، ولا أعلم إلى متى أستمر وما إذا كان لي مكان مع الباقين على سقف النهر». وتوقع رئيس بلدية طرابلس المهندس رشيد الجمالي «أن تكون إعادة تموضع التجار في السوق الجديدة في شهر أيار المقبل، ولكننا اتفقنا مع البنك الدولي على أنه إذا كان هناك انتخابات بلدية في أيار المقبل أن تؤجل عملية التموضع إلى شهر تموز المقبل.
مشهد البسطات الكثيف في محيط النهر، يحجب حتى مشهد تفاصيل ورشة

يؤجل الافتتاح إن كانت هناك انتخابات بلدية في أيار المقبل

أعمال السقف، والمتسوقون يعبرون من ضفة إلى أخرى وسط الأعمال الجارية، وإن كان مرورهم يعيق العمل في بعض الأحيان. على سقف النهر وعند إحدى البسطات المنتشرة بكثافة في محيطه، تحاول نعيمة يونس أن تفاصل (تساوم) صاحب بسطة يبيع ألعاباً للأطفال، في ثمن دمية صغيرة تود شراءها لابنتها الصغيرة. الخلاف كان على السعر «خذي دمية أخرى بثلاثة آلاف، فسعرها بالجملة «موقف علي» بأكثر من خمسة آلاف، ولا أستطيع أن أبيعك إياها بخسارة» يقول محمود صاحب البسطة للسيدة. الأسعار في هذا المكان زهيدة جداً، وتستطيع أن تشتري بألف ليرة لعبة أو زوجاً من الأحذية، زبائن السوق من فئة معينة، من الطبقة دون الوسط، فالمنطقة مشهورة بحالات الفقر الذي يستشري فيها. حركة الزبائن على السقف وفي محيطه لا تهدأ، فالبضاعة المعروضة هناك بمتناول الجميع، وخاصة أبناء الطبقات الفقيرة، وهي ليست حكراً على أبناء المدينة أو المنطقة فحسب، بل تستقطب أناساً من خارج المدينة أيضاً.


لا فائدة من التسابق

«البلدية مع فريق البنك الدولي، مجلس الإنماء والإعمار، أجرت مسحاً شاملاً على ثلاث مراحل، تضمن أسماء أصحاب البسطات الموجودة على الضفة الشرقية للنهر» يقول المهندس رشيد الجمالي رئيس بلدية طرابلس لـ«الأخبار» ويضيف: «أخذنا فكرة شاملة عمن يحق لهم دخول السوق الجديد، ووصلنا إلى لائحة تضم 258 صاحب بسطة، وهؤلاء هم حصراً من سينقلون إلى السوق الشعبي المخصص فوق سقف النهر، وبالتالي لن يكون هناك أسماء أخرى على الإطلاق، وإن ما يحصل حالياً من «تنافس» عبر التمدد الحاصل فوق سقف النهر لا يعني بالضرورة حجز أماكن لأصحابها. أسماء أصحاب البسطات باتت معروفة ولدينا ملفات ووثائق رسمية عنهم مع بطاقات الهوية والتواقيع».