لأن الحرف اليدوية إلى انقراض»، قرر تلامذة الصف السابع في ثانوية السيدة للراهبات الأنطونيات في النبطية سبر أغوارها والبحث في تاريخها وكشف النقاب عن أسباب تراجعها، فسألوا عن الباقي منها، وقصدوا منابتها في صيدا وجزين والزهراني، حاملين جملة من أسئلة تراودهم وتقلقهم
كامل جابر
أثارت زيارة تلامذة السيدة للراهبات الأنطونيات في النبطية الجلبة في المعامل المتواضعة للحرفيين، التي تعيش دوماً احتمال الإغلاق. بدأت الجولة من مدينة جزين، عاصمة صناعة السكاكين ذات القبضات المصنوعة من أعناق الطيور، لتمرّ في كفريا الجنوبية، حيث ما زال قلّة من الحرفيين يصنعون سلال القصب؛ فإلى حارات صيدا القديمة التي تزيّن صناعة الخشب القديمة أزقتها الضيقة، مروراً بمتحف الصابون فيها وبالمراكب التي تصنع عند تخوم مينائها البحري؛ ثم إلى الغازية التي تحافظ على صناعة الفخار، تعريجاً على الصرفند حيث المعمل اليتيم الباقي لصناعة الزجاج اليدوي.
لم يترك التلامذة شيئاً من الأسئلة لم يطرحوها على أصحاب الحرف.
سأل التلميذ شربل سمعان «المعلم» سمير الحداد، أشهر معلمي صناعة السكاكين في جزين: «لماذا تهتم بحرفتك إلى هذا الحدّ؟»، فأجابه: «لم أكن لأبدع لولا تعلقي بهذه الحرفة التي ورثتها عن والدي، منذ كنت في العاشرة من عمري. سعيت طوال ستين عاماً من العمل المتواصل لتطويرها ووصلت بها إلى متاحف فرنسا»، ثم، مخاطباً التلامذة الذين تحلقوا حوله «كونوا على ثقة، إن أحببتم عملكم، أبدعتم. العزيمة والإصرار هما اللذان يولّدان الطاقة ويحفزان على النجاح».
رد الفلسطينيان ديب ونمر عطا الله، اللذان ورثا حرفة صناعة الفخار عن أبيهما وحملاها معهما بعد نزوحهما من عكا إلى الغازية جنوبي صيدا، بإسهاب على أسئلة التلامذة، وحدثاهم عن هموم المصلحة بسبب ضمور أسواق التصريف، وعن روعتها في اعتمادها على الإبداع. سأل التلميذ حسن محيي الدين عن تاريخها؛ واهتمت رفيقته ليلى دياب بالمواد الأولية التي تكوّن الفخار؛ أما التلميذ إبراهيم ضيا، فتساءل عن إمكانية تعلّم المصلحة وعن مدى اهتمام الأجيال الصاعدة في تعلمها؟ بينما سأل زميله حسين قانصو: «هل تطورت صناعة الفخار أم أنها لم تزل بدائية؟».
في الصرفند، عايش التلامذة على مدى ساعة عملية صناعة الزجاج اليدوي، في المصنع الوحيد الذي بقي في لبنان. وبدا التأثر واضحاً عليهم، إذ تلمسوا مدى الخطر الذي بات يحدق في معظم هذه الحرف، إذ ردد معظم أصحابها أن جيل الشباب لا يُقبل على تعلمها، وهي باتت مكلفة، ولا تقابل بالتشجيع، لا من الدولة ولا البلديات ولا المواطنين الذين باتوا يعتبرونها من الزينة غير اللازمة. فرح التلامذة بما اشتروه من نماذج زجاجية يدوية ستزين معرضهم المرتقب ثم مكتباتهم، فـ«ربما لن يتسنى لنا الحصول عليها مرة ثانية» كما قالت غدير ضاهر التي لفتت، بعد زيارتها أسواق صيدا القديمة، إلى أنه «نحن من الجنوب ولم نكن نعلم أن ثمة أسواقاً قديمة وشعبية وتراثية على هذا القدر من الروعة». أما زميلتها ماري مخول فقالت: «اشترينا قباقيب، وكراسي خشبية، وبعض أدوات المطبخ، للذكرى؛ واطّلعنا على بعض الحرف التي لم تكن لتخطر ببالنا». في جزين، زار التلامذة مبنى البلدية العثماني والتقوا رئيسها. وفي صيدا، وبعد اطلاعهم على كيفية صناعة المراكب السياحية ومراكب الصيادين، أصروا على أن يصعدوا إليها وأن يبحروا بها باتجاه «زيرة صيدا» ليعاينوا المدينة من قلب البحر.
مع انتهاء الجولة، حملت جعب التلامذة تحقيقات كاملة مدعمة بالتصوير الفوتوغرافي والفيديو والتسجيلات الصوتية، مثلما حملوا نماذج عن الحرف التي تعرفوا عليها، ستساهم كلها «في صناعة معرض مدرسي ناجح» تقول الراهبة المسؤولة بول ماري بو شعيا.


ما بعد الجولة إقامة معرض وتؤكد أن الفكرة «تكاملت بالتنسيق الكامل مع إدارة الثانوية التي تشجع مثل هذه الخطوات الميدانية، لأنها تضع التلامذة على سكة الانخراط المباشر مع التجارب الفنية والإنسانية والبحث عنها، ما يرسخ في أذهانهم ما يعاينونه واقعاً لا تواتراً».