الغموض الذي يحيط بموعد الانتخابات البلدية المقبلة، والقانون الذي قد تجري على أساسه، ينعكس على أقليات طرابلس التي تبحث عن مكان لها في المجلس البلدي. ويبدو للمتابعين أن الصيغة المقترحة للقانون لا ترضي الأقليات لأنها تفرض عليها إما التقوقع في لوائح منفردة، وإما انتظار مبادرة الأطراف القوية لضمّها إلى لوائحها
طرابلس ــ عبد الكافي الصمد
حدثت نتائج الانتخابات البلدية عام 2004 تغييراً أساسياً في تركيبة المجلس البلدي في طرابلس الذي خلا من أي عضو مسيحي، ما عُدّ سابقة لم تشهدها المدينة منذ الاستقلال على الأقلّ. بل هي كسرت عرفاً حافظت عليه بلدية طرابلس طويلاً، ويتمثل في أن يكون نائب رئيسها أرثوذكسياً. وهو عرف ليس مضموناً أنه سيجري إحياؤه مجدداً، نتيجة بروز طموح عند العلويين لتبوُّء هذا المنصب من جهة، واحتمال إجراء الانتخابات البلدية وفق قاعدة النسبية من جهة ثانية. والنسبية وفق الصيغة المقترحة، غير مرضية لأقليات المدينة، لكونها قد تجعلها تجد نفسها أمام احتمال غيابها مجدداً عن الحضور داخل المجلس البلدي وفق ما يعتقده ممثّلوها.
فالعلويون الذين حصلوا على مقعدين في انتخابات 1998، تراجع حضورهم عام 2004 إلى مقعد واحد فقط من أصل 24، ليغلب الطابع السنيّ على المجلس من خلال 23 مقعداً. وهذا ما يجعل الفاعليات العلوية اليوم ترفع الصوت بالقول: «لن نقبل كطائفة علوية، بتنا نمثل عددياً الطائفة الثانية في طرابلس بعد الطائفة السنية، بأقلّ من ثلاثة مقاعد في المجلس البلدي المقبل، على أن يكون أحدها منصب نائب الرئيس» وفق تأكيد مختار محلة باب التبانة عبد اللطيف صالح. باب التبانة هي التي تقع ضمن إطارها إدارياً، محلة جبل محسن حيث يقطن أغلبية العلويين الموجودين في طرابلس الذين اقترعوا بنسبة 43.25%.
صالح يقول إنه لم يجرِ حتى الآن حسابات دقيقة للانتخابات في انتظار معرفة ما سيؤول إليه قانون الانتخابات البلدية ومصيره، ويؤكد لـ«الأخبار» أنه «لم نتحدث مع أيّ طرف في طرابلس بهذا الأمر، لكننا لا نسقط احتمال التوجه إلى تأليف لائحة مستقلة إذا تعذّر قيام لائحة ائتلافية، أو إذا استبعدنا ولم ننل حصتنا التي تتناسب مع حجمنا وحضورنا»، معبراً عن أمله أن تكون انتخابات 2010 «مناسبة لتصحيح الخلل السابق، وأن تتمثل كلّ فئات المجتمع الطرابلسي».
ويلفت صالح، من جهة أخرى، إلى الحرص على المحافظة على العرف المعتمد في باب التبانة ـــــ جبل محسن، الذي ينصّ على توزيع المخاتير الـ12 في المنطقة بين السنّة والعلويين على أساس 8 مخاتير للسنّة، و4 للعلويين، «مهما كان القانون الذي سيتوافق عليه».
العلويون لن يترددوا في تأليف لائحة مستقلة إذا تعذّر قيام لائحة ائتلافية
هذه «الطحشة» الموجودة عند العلويين، التي لا يمكننا أن نحكم إن كانت حقيقية أم محاولة لتحسين الشروط قبل الاستحقاق البلدي مع الغالبية السنّية، تغيب غياباً شبه كامل عند الطوائف المسيحية، باستثناء بيان أصدرته هيئة طرابلس في «التيار الوطني الحر» الشهر الماضي، لفتت فيه إلى أن «الترشح إلى الانتخابات البلدية يجب أن يراعي أسس العيش المشترك الذي كانت طرابلس ولا تزال السباقة والرائدة في المحافظة عليه».
وفي هذا الإطار، أوضح منسّق التيار في طرابلس طوني ماروني لـ«الأخبار» أن هذا البيان «لن يكون يتيماً، بل سيتبعه بيان آخر موجّه إلى الناخب المسيحي في طرابلس يدعوه إلى المشاركة في الانتخابات وتثبيت حضوره، لأنه لا يمكن أن يُعطى حقه وهو غائب، أو أن يُعطى المقاعد كجوائز ترضية».
يبدو ماروني واقعياً في قراءته الخريطة السياسية في المدينة، وخصوصاً حين يقول: «حضورنا وحده لا يكفي بل يجب التعاون مع الآخرين في طرابلس لأننا نرى أنفسنا بعداً طرابلسياً داخل التيار لا العكس»، مضيفاً «هدفنا تغيير صورة طرابلس السلبية نحو الإيجابية، وإعادة تمثيل الأقليات، ولذلك تعدّ مشاركة المسيحيين خطوة أولى مطلوبة في هذا الاتجاه، في مقابل خطوة أخرى يفترض أن يقدم عليها الطرف السنّي الذي له مصالح عدة في أن يكون له شركاء في البلدية من العلويين والأرثوذكس والموارنة».
ويؤكد ماروني أن «المسألة بالنسبة إلينا هي تأمين حضور مسيحي في بلدية طرابلس لا تأمين حصة التيار. لذلك، سندعم قيام لائحة توافقية تعمل للحفاظ على إعادة التمثيل المسيحي في طرابلس»، كاشفاً أن «النسبية لا تناسبنا ولا تصبّ في مصلحتنا، عكس القانون القديم الذي يمكنه تأمين حضورنا، لأن النسبية ستجعل المرشحين المسيحيين يحتلون المراتب الأخيرة داخل اللوائح، وهذا سيقلّل من فرص نجاحهم، وخصوصاً أنهم لا يستطيعون تأليف لائحة وحدهم وهم الذين لم يكونوا تاريخياً متقوقعين في طرابلس».
من جهته، نقيب المحامين السابق في طرابلس فادي غنطوس، يرى أن «النسبية لن تفيد في الانتخابات البلدية في طرابلس إلا إذا وُضع مرشحو الأقليات في صدارة ترتيب اللوائح لضمان فوزهم، وألا تكون هذه اللوائح مغلقة». ويؤكد أن الحديث عن قانون الانتخابات البلدية وفق النسبية هو «طبخة بحص، ولن يعتمد، لأن التعديلات على القانون القديم تحتاج إلى وقت ليس متوافراً»، مرجحاً أن «تضغط القوى السياسية لإبقاء القانون القديم معتمداً في الانتخابات البلدية المقبلة».
المسيحيون لا يستطيعون تأليف لائحة وحدهم ويدعمون التوافق
في رأيه «الحلّ الأفضل لتمثيل الأقليات أو لتصحيح التمثيل في المجالس البلدية، هو اعتماد واحد من ثلاثة خيارات: الأول تخصيص مقاعد للأقليات «كوتا» كما هي الحال في المجلس النيابي، بما يحفظ حقها القانوني، وخصوصاً في المدن الكبيرة والمختلطة ومراكز المحافظات، مثل بيروت وطرابلس». ويعتبر أنه إذا اعتمد هذا الخيار في طرابلس «يجب عندها إعطاء مقعدين للعلويين ومثلهما للأرثوذكس، ومقعد واحد لكلّ من الموارنة والأرمن». أما الخيار الثاني وفق غنطوس فهو «انتخاب الشعب ثلثي أعضاء المجالس البلدية، على أن تعيّن الحكومة الثلث الباقي، كما هي الحال في غرف التجارة والصناعة والزراعة، لتصحيح أي خلل انتخابي قد يحصل بتغييب الطوائف أو الكفاءات التي تحتاج إليها المجالس البلدية». ويكون الخيار الثالث من خلال «تقسيم المدن المعنية إلى دوائر صغيرة يُراعى فيها التوزيع السكاني والطائفي، كما هو حاصل في فرنسا مثلاً».
وقد سبقت الانتخابات البلدية عام 2004 محاولة من الناخبين الأرمن في طرابلس، الأرثوذكس والكاثوليك معاً، لجسّ النبض ومعرفة إمكانية حصولهم على مقعد في بلدية طرابلس للمرة الأولى في تاريخهم، وخصوصاً أنهم يمثّلون فيها الطائفة الثالثة عددياً بعد الأرثوذكس والموارنة. لكنّ هذه المحاولة لم يُكتب لها النجاح، وليس مؤكداً تكرارها في هذا الاستحقاق، سواء اعتمد القانون القديم أو قانون النسبية، مع أن الأخير لا يطيح فقط آمال الأرمن وحدهم، بل يقلّص إلى حدّ بعيد حظوظ المسيحيين جميعاً في استعادة دورهم في بلدية طرابلس، إلا إذا تبنّاهم طرف سياسي سنّي رئيسي، وهو أمر لم يعلنه أحد بعد.


الناخبون بالأرقام

بلغ عدد الناخبين في طرابلس، وفق لوائح شطب الانتخابات النيابية العام الفائت، 196149 ناخباً، اقترع منهم 89886 ناخباً. وكان قد بلغ عدد الناخبين السنّة 150544، اقترع منهم 73315 ناخباً، والشيعة 570 ناخباً لم يقترع أحد منهم، والعلويين 15249 اقترع منهم 6596 ناخباً، والدروز 8 ناخبين لم يقترعوا.
أما الناخبون المسيحيون فتوزعوا كالآتي: الموارنة 5880 اقترع منهم 1465، والأرثوذكس 14890 اقترع منهم 5648، والكاثوليك 1170 اقترع منهم 307، والأرمن الأرثوذكس 2475 اقترع 707، والأرمن الكاثوليك 315 اقترع منهم 112، والإنجيليون 575 اقترع منهم 185، والأقليات المسيحية الأخرى 1480 اقترع منهم 417.