ربى أبو عمّويظنّ أهالي بعض المناطق، وربما غالبيتها، أن العاصمة بيروت تحتضن العديد من النشاطات المطلبية. كأن التظاهرات التي شهدتها ساحات وسط المدينة رسمت في أذهانهم صورة عن العاصمة الناشطة حقوقياً. وإن كانت هذه الصورة لا تعدو كونها أكثر من خدعة بصرية، إلا أنها تمثّل حافزاً لدى المناطق البعيدة عن العاصمة لخوض تجربة جديدة على شبابها، وخصوصاً على أبواب الانتخابات البلدية المقبلة.
هذا ما تكشفه ورش العمل المتفرقة التي يشهدها عدد من المناطق، يمثّل الشباب عمادها، إلى درجة يبدو معها أن العالم، في هذه الفترة، يبدأ وينتهي عند حدود قراهم.
البداية من طرابلس. هنا، نجحت جمعية «عطاؤنا» في تغيير صورة بلديتها التي تضم أعضاءً من طائفة واحدة، من خلال إطلاق مشروع تأليف بلدية ظلّ يوم السبت الماضي. مدير المشروع عبد الرزاق إسماعيل بدا خائفاً من «صيبة العين»، بعدما نجح في جمع شبان وشابات من مختلف الأحزاب السياسية والطوائف، على أن تُمثّل، بالتساوي في المجلس الذي سيُنتخب في حزيران المقبل، ويتألف من 24 شاباً. إسماعيل طلب من كلّ أحزاب طرابلس اختيار ثمانية شباب للمشاركة في المشروع، 4 مسلمين و4 مسيحيين، و4 إناث و4 ذكور، على أن يصل المجموع إلى 112 شاباً، مئة منهم محزّبون و12 مستقلاً، يخضعون لعملية تدريب ثم ينتخب منهم مجلس بلدية الظل. هكذا ألغت «عطاؤنا» تابو تلاقي الأحزاب. حتى أن فادي، أحد المنتمين إلى الحزب الشيوعي الذي شارك في المشروع، اعتبر أن «مجرد تلاقي الأحزاب في ورش عمل مشتركة هو إنجاز».
في الجنوب، وتحديداً في النبطية، اتخذت شبكة المجموعات الشبابية قرارها بإطلاق مشروع يعمل على تعريف الشباب على العمل البلدي من خلال لجنة تمثلهم. وتقول رئيسة الجمعية، ليلى سرحان، إنها لاحظت نقصاً في معرفة الشباب بالعمل البلدي «المغيّب عنهم لكثرة النزاعات السياسية، ما سيحول دون مطالبتهم بحقوقهم» تقول. لم تكترث سرحان، خلال خوض تجربتها تلك، إلى الذين تساءلوا: «هل أنتم حقاً مؤمنون بالعمل المدني، فيما يعمل البلد وفقاً للمحسوبيات؟». وكان ردّها عملياً من خلال رفض تنظيم أي نشاط برعاية «أحدهم».
حسين، أحد المتدرّبين، يقول: «لطالما اعتقدت أن البلدية مؤسسة رسمية لا أستطيع الدخول إليها. وهمٌ سرعان ما تبدّد حين بدأت أطلع على تجربة البلدية وعملها». أما عن القدرة على خرق تركيبة البلدية الحالية، فيتركها لوقتها!
البقاع احتضنت مشروعاً مماثلاً، بعدما اختارت «الجمعية اللبنانية لدعم الطالب» تثقيف شباب بعلبك في المجال البلدي، هم الغارقون في هموم أخرى. يوضح رئيس الجمعية عباس شمص أن «60 شاباً يخضعون إلى ورش عمل تدريبية ستمتد على ثلاثة أشهر، تتضمن التعريف بالعمل البلدي».
شمص يستعين بالفن أيضاً ليوصل أفكاره، ويشير إلى أن الشباب «ألّفوا عدداً من المقاطع المسرحية الخاصة بالعمل البلدي والتجاوزات التي تشهدها البلديات، مستخدمين أسلوب التهكم». ويتوقف عند أحد الأمثلة، حيث اختار بعض الشباب في إحدى المسرحيات تسليط الضوء على شخصية دهشان، الرجل الذي يتمادى في إطلاق الشعارات الواعدة بتغيير حياة الناس نحو الأفضل، ليتخلى عن هذه الوعود بمجرد وصوله إلى السلطة. لدهشان مقاعد في كل بلدية. يعد بالكثير، وما يلبث أن يطمر وعوده حين يصل إلى مبتغاه. يئس الشباب إلى أن أدركوا أن التغيير ممكن. خرجوا من القمقم وتحولوا إلى أكثر من مارد. ويبقى السؤال: هل سيسمح دهشان بالتخلي عن منصبه لمصلحة شاب متحمس قادر على الإصلاح؟